كخفافيش الظلام، شرع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو ووزيره أرييه درعي، يلاحقان طالبي اللجوء أو كما يسمونهم في إسرائيل «المتسللين»، وسط تل أبيب، بذريعة أن تلك الشريحة من السودان وأريتريا باتت تشكل خطراً على أمن إسرائيل وتهدد خريطتها الديموغرافية. وبرفضهما قرار المحكمة، الداعم لوجود هؤلاء، ولحقّهم في البقاء طالما رفضوا المغادرة بإرادتهم، رفعت الحكومة الإسرائيلية حدة حملة ملاحقة هؤلاء إلى ذروة العنصرية، لتصبح دولة «أبارتهايد»، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. فاللون الأسود بات مزعجاً ومقلقاً لليهود سكان المركز، خصوصاً تل أبيب، ولرئيس الحكومة ووزرائها. سيارة سوداء شبابيكها معتمة أقلت نتانياهو ودرعي ومعهما عيدان كوهين، مدير لواء تل أبيب في ما يسمى «سلطة الإسكان»، في جولة ليلية سرية في أحياء عدة في تل أبيب، للاطلاع على مدى انتشار هؤلاء المهاجرين. تفاصيل هذا الخبر صدرت صبيحة الثلثاء، لترفع حدة النقاش الإسرائيلي حول مصير الآلاف ممن وصلوا من أفريقيا، ومعظمهم من السودان وأريتريا إلى إسرائيل، يطلبون اللجوء السياسي أو العمل. لكن درعي أصر على الدفاع عن سياسة حكومته وعن جولة الخفافيش بقوله: «الجولة كانت بالغة الأهمية وساعدتنا على معرفة موضوع المتسللين عن قرب، وستساعدنا في المعركة التي نديرها من أجل حل المشكلة». نعم، الحكومة تدير معركة ضد أناس لم يرتكبوا جريمة سوى أن لون بشرتهم سوداء. أما المشكلة فهي أن «سكان تل أبيب يشمئزون من السكان السود الذين يعيشون بينهم»، هكذا عبر أكثر من تل أبيبي. والحكومة التي دعمتهم لم تردد هذه العبارات لكنها، كعادتها، جعلت من تهديداتها الأمنية والخطر على خريطتها الديموغرافية عنواناً تجميلياً لهذا المزاج العنصري. وإذ اختار نتانياهو جولته الأخيرة سرية، فقد سبقها بجولة علنية، وسط تل أبيب، تعهد خلالها ب «تنظيف» هذه المدينة من هؤلاء اللاجئين. أواخر الشهر الماضي أثيرت قضية هؤلاء المهاجرين، من جديد، خلال بحث المحكمة الإسرائيلية التماسات تقدمت بها تنظيمات حقوق الإنسان ضد قرار طردهم واحتجت على ظروف اعتقالهم غير الإنسانية. لقد بدأت إسرائيل تنفيذ سياسة الطرد والاعتقال قبل عامين وخلال ذلك اعتقلت الآلاف، معظمهم ممن رفضت قبول طلبات لجوئهم ولم تمنحهم تصاريح عمل. واحتجزت كل من ضبطته في معسكر «حولوت»، في ظروف صعبة، لا يتوافر فيها الحد الأدنى من الظروف الإنسانية. وفي أعقاب قرارات اتخذت في إسرائيل لطرد هؤلاء، تم التوصل إلى تسوية تقضي بنقلهم إلى دولة ثالثة هي رواندا، باعتبار أنها آمنة ولا تعرض حياتهم للملاحقة والخطر. لكن المحكمة أقرت أنه لم يثبت أن رواندا آمنة، وأن تعاملها مع طالبي اللجوء يضمن لهم استمرار الإقامة فيها. وخلافاً لمطلب «الدولة» حددت المحكمة أنه لا يمكن اعتقال من يرفضون المغادرة، لأكثر من شهرين. واقترحت، في قرارها، محاولة إقناع الرافضين بالمغادرة، والتفكير بتقييد أماكن سكناهم من أجل تخفيف العبء على سكان بعض المدن، خصوصاً تل أبيب. إلغاء توقيع إسرائيل على ميثاق اللاجئين في إسرائيل يوجد حوالى 38 ألف طالب لجوء من أفريقيا، من بينهم 27500 من أريتريا، وحوالى 7900 من السودان، و2600 من دول أفريقية أخرى. باستثناء هؤلاء غادر إسرائيل خلال النصف الأول من السنة الحالية حوالى 2100 طالب لجوء. وفي العامين الأخيرين تبين أن رغبة هؤلاء كانت في المغادرة إلى الدول الغربية، بخاصة كندا، فيما انخفضت الهجرة إلى رواندا وأوغندا، وكذلك انخفض عدد طالبي اللجوء الذين يعودون إلى أريتريا والسودان. منذ أن بدأت هجرة حاملي الجنسيتين الأريترية والسودانية إلى إسرائيل حظي هؤلاء بحماية جماعية. ولم يدرجوا في قائمة المتسللين بل في قائمة المهاجرين، طالبي اللجوء، إزاء ما تشكل الدولتان من خطر عليهم، بحسب ميثاق اللاجئين الخاص بالأممالمتحدة، والموقعة عليه إسرائيل. ما يعني أنه لا يمكن طرد هؤلاء إلى دولة ثالثة من دون موافقتهم. ولكن في إسرائيل تحول هؤلاء إلى أعداء مطاردين ويهددون امن إسرائيل. وكما يقول المحامي آساف فايتسن، أحد الملتمسين إلى المحكمة العليا ضد سياسة وقرارات الحكومة: «ليس من السهل أن تكون إنساناً أسود وغريباً في إسرائيل». ويضيف: «ما من أريتري أو سوداني يرغب في مواصلة العيش في إسرائيل التي تسعى دائماً إلى التخلص منه، تطارده، وتصعّب عليه في شكل منهجي الحصول على مكانة لاجئ. في دولة تتوقف، عبر ممارستها هذه، عن تنفيذ التزامها بميثاق الأممالمتحدة. إن الطريقة الوحيدة التي تملكها الحكومة للتخلص من هؤلاء جميعاً أن تلغي إسرائيل توقيعها على ميثاق اللاجئين الخاص بالأممالمتحدة، وتقرر، من جانب واحد أن الديكتاتورية الأريترية، التي يُلزم فيها الرجال بالخدمة العسكرية طيلة حياتهم، والتي يحكم على الفارّين من الخدمة العسكرية، بحسب قوانينها، بالإعدام، هي دولة آمنة، وكذلك هي الحال في شأن الحرب الأهلية المتواصلة في السودان». منذ عامين، وعند انطلاق الحملة لملاحقة طالبي اللجوء، الذين تسللوا عبر سيناء، توجهت إسرائيل إلى أوغندا ورواندا بطلب نقلهم إليهما وتبين أن البلدين وافقا على ذلك شرط مغادرتهم بإرادتهم وليس بالقوة والملاحقة، وفق ما تسعى إسرائيل. قرار المحكمة الإسرائيلية لم يحظ بدعم العديد من السياسيين الإسرائيليين وأعلن البعض عن إعداد مشروع قانون يوفر للحكومة الإسرائيلية الآليات لطرد هؤلاء. نتانياهو من جهته، يقود الحملة لطردهم، في محاولة لكسب دعم بلدات عدة ترفض وجودهم بين سكانها. وفي محاولة منه لإبعاد تهمة العنصرية، التي لم يتردد السكان الإسرائيليون في القول في كل مناسبة تتاح لهم، إن لونهم الأسود يزعجهم، راح نتانياهو يدافع عن موقفه بالقول إن سياسة إسرائيل في موضوع المتسللين تقوم على ثلاثة أعمدة: السياج الذي أقامه الجيش في الجنوب وصد المتسللين، الاتفاقات مع دول أفريقية على نقل المتسللين إليها، ومسألة تطبيق القانون. وراح يدعم الوزراء الذين أعلنوا عن ضرورة سن قانون يضمن طردهم والتخلص منهم، بذريعة تهديد الخريطة الديموغرافية. أما وزير الأمن الداخلي، جلعاد أردان، الذي تتحمل وزارته مسؤوليه ضمان الأمن الداخلي للسكان، فخرج بحملة دفاع أخرى أعلن فيها أنه إزاء توجه المحكمة الإسرائيلية، تتطلب الحاجة دفع تعديل قانون عاجل يوفر للحكومة آليات لمواصلة الإجراءات الحتمية لإخراج المتسللين. وهاجم المحكمة قائلاً إن «قرارها يفرغ القرار الذي سبق واتخذته الحكومة، من مضمونه بكل ما يتعلق بتطبيق سياسة إبعاد المتسللين إلى دولة ثالثة، ويترك متخذي القرار من دون أدوات فاعلة لإخراج المتسللين. كما يفرغ القرار ما سبق واتخذته الحكومة من قرارات تهدف إلى إخراج المتسللين وتمكين سكان جنوب تل أبيب، الذين يعانون جرّاء انتشار هؤلاء بينهم، من استعادة حياتهم». أما الوزير درعي فاعتبر أن قرار المحكمة القاضي بتحديد فترة اعتقال رافضي مغادرة إسرائيل لمدة شهرين، ينتزع من متخذي القرارات في إسرائيل أداة مهمة جداً ويتيح لكل متسلل يرغب بذلك، البقاء في البلاد. والسؤال المطروح في إسرائيل كيف يمكن التخلص من الأفريقيين من دون انتظار قبول موافقتهم على الطرد؟. المحامي يحيئيل غوطمان يقول إن الخطر الحقيقي يكمن في إيجاد الوسائل التي يمكن من خلالها فرض الموافقة على هؤلاء المتسللين، أو بحسب تعبير أحد القضاة «كيف تمكن مواصلة فرض الأمر على المتسلل إلى أن يقول «أنا موافق». ويقول غوطمان: «المؤسسة السياسية التي تلاحق المتسللين اقترحت على المحكمة احتجازهم من دون تحديد الفترة، إلى حين قبول طردهم لكن المحكمة أوضحت أنه لا يمكن سجن هؤلاء لفترة تزيد على ستين يوماً لأن عقوبة السجن التي تفوق تلك الفترة، هي عقوبة غير تناسبية وغير معقولة وربما أيضاً غير أخلاقية. ولو وافق هؤلاء المتسللون على طردهم بعد الاعتقال غير المحدود بفترة زمنية، فإن موافقتهم لن تكون حقيقية، بل ستكون موافقة منتزعة انتزاعاً. وهي موافقة لا يمكن قبولها». تشكل الحملة التي يقودها سكان تل أبيب لطرد الأفارقة من بينهم، ذريعة للحكومة الإسرائيلية ورئيسها، لممارسة عملية الطرد. فلم يردعا هذه الأصوات بل شكلا سنداً مدافعاً. وهو أمر ووجه برفض جهات عدة في إسرائيل، وأبرزها جمعيات حقوق الإنسان. تهديد للخريطة الديموغرافية 38 الف طالب لجوء من أفريقيا. فهل فعلاً هم تهديد لخريطتها الديموغرافية؟ هذا السؤال هو أيضاً يشكل محور نقاش في إسرائيل؟ العنصرية المتفشية في إسرائيل جعلت الأصوات الأعلى هي الداعمة للعنصريين في تل أبيب ولرئيس الحكومة ووزرائها. عكيفا بيغمان يرد على هذا السؤال بالتحريض على الأصوات التي تنتقد سياسة الحكومة وبدعوة الإسرائيليين إلى عدم الخجل من وصفهم بالعنصريين قائلاً: «إذا كنتم أيها الإسرائيليون قد تخوفتم، حتى الآن، من القنبلة النووية الإيرانية، فدعونا من هذا الهراء، لأنه يوجد لديكم الآن ما يجب أن يجعلكم ترتعدون حقاً. فبيننا يعيش عشرات الآلاف من السود غير اليهود في المجتمع الإسرائيلي، يمكن أن يعرضوا مجتمعنا للتلويث وتدنيس الطهارة المقدسة للشعب اليهودي»، ويضيف بلهجة أكثر عنصرية: «بسبب كونهم يتزوجون ويقيمون عائلات ويتكاثرون...، يمكن لهؤلاء... تهديدنا، نحن اليهود البيض الذين نعتبر أنفسنا متحضرين، كغالبية أهل أرض صهيون والقدس. ولمواجهة هذا الوضع لا بأس بأن نكون عنصريين».