اشتعلت الثورة في تونس وأسقطت النظام، ولحقت بها مصر، وحصد المصريون النتيجة ذاتها. وقبل أن تهدأ ثورة المصريين، تحرك الشارع في اليمن والبحرين والجزائر، لكن الشعب الليبي كان الأسرع في اكتساب العدوى. هل يتدخل هذا التسارع في تشابه الصورة والخطاب والسلوك بين الشعوب العربية في معاودة طرح قضية الوحدة العربية على أسس جديدة؟ ظاهرياً، كأن الوضع سيمضي على هذا النحو. لكن المتأمل في أحداث تونس ومصر سيجد أن الناس أصبحوا منشغلين بهمومهم الداخلية وإصلاح أوضاع ثورتهم. فعلى رغم ان ليبيا تقع بين مصر وتونس، إلا أن الاهتمام الإعلامي بما يجري في المدن الليبية يقع على هامش الحياة اليومية لدى المصريين والتونسيين. وحتى الدول العربية البعيدة التي تشهد تحركات في الشارع تستخدم الحدث الليبي كملصق دعاية في تظاهراتها، كأن هذه الثورات المتلاحقة تريد أن تتخلى عن شعارات الوحدة المزيفة التي سادت خلال العقود الخمسة الماضية. لا أحد يستطيع ان يتنبأ بالتطورات السياسية القادمة، لكن، من الواضح أن الدول العربية التي تزعمت شعارات الوحدة، وعطلت التنمية، وأهملت حقوق مواطنيها، ستضرب صفحاً عن تلك الشعارات في المرحلة المقبلة، وربما شهدنا خلال العقد القادم حالاً من الانكفاء داخلياً في مصر وتونس وليبيا، والاهتمام بالقضايا المحلية. حتى الآن، ظهر هذا جلياً في مضمون الخطاب الإعلامي في كل من مصر وتونس، فلا حديث سوى الهم المحلي، وكأن الناس في البلدين يعيشون في منطقة معزولة عن قضايا المنطقة العربية، على رغم أن الإعلام في البلدين كان الى أسابيع قليلة مشغولاً بقضايا فلسطين والعراق والسودان. لا شك في أن الانكفاء ليس أمراً سيئاً. فالدول العربية التي حُكمت بالانقلابات العسكرية غيّبت قضايا الناس من اجل شعارات التحرر والوحدة، ولم تحصد سوى القمع والفقر. فضلاً عن ان هذه الشعارات سهّلت وصول شخص مثل معمر القذافي الى حكم دولة بأهمية ليبيا أربعة عقود من الزمن. الأكيد أن ما جرى في تونس ومصر، ولاحقاً ليبيا، كان ثورة على مفاهيم سياسية وليس على زعماء، لهذا، فإن هذه الدول بحاجة الى سنوات طويلة لترميم آثار الدمار الذي أحدثته هذه الشعارات في بنية الدولة ورؤية المجتمع، ناهيك عن أن الوحدة العربية بحاجة الى أسس محلية، والأهم أن النظام العربي بات بحاجة الى سنوات لاستيعاب ما حدث وفهمه.