تقود هيا القحطاني (30 عاماً) سيارتها بكفاءة عالية في محافظة تثليث التابعة لمنطقة عسير، ولم يسبق أن تعرضت لمضايقة من أحد، على حد قولها. القحطاني لم تقد السيارة تحدياً لأنظمة أو لرغبات المجتمع، وإنما لأن ظروف الحياة أجبرتها على ذلك، وهذا ديدن نساء كثيرات في هذه المحافظة. وقالت هيا ل«الحياة»: «أقود سيارتي داخل المدينة وخارجها، وأقوم بكل الأعباء الأسرية إلى جانب شقيقي، ولا يمنعني من ذلك أي شيء، إذ يغلب على المجتمع احترام المرأة، وعدم إيذائها»، مشيرة إلى أنها تضع سلاحاً في سيارتها، تحسباً لأي طارئ يمكن أن يحدث. وقليلاً ما تجد سائقاً لدى عائلات تثليث، فلا تخرج من طريق، وتدخل في آخر إلا وتجد النساء يقدن السيارات بكل ثقة، من دون أن يقف في وجوههن رجل أمن، أو موظف في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو حتى المارة في الطرق، فالمرأة التي تلتزم بالزي المعتاد في مناطق المملكة تؤدي حياتها الطبيعية كما يؤديها الرجال، فتزور المستشفى، وتشتري من السوق، وتبيع الأغنام، ولا يعوقها عائق. صادفت «الحياة» امرأتين في محل لخدمة السيارات تنتظران فراغ العامل من تغيير زيت سيارتيهما، أكدتا أنهما لا تجدان أي عائق أمام قيادتهما، سواءً من الجهات الأمنية، أو حتى من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مشيرتين إلى أن القيادة في مدينة تثليث طبيعية جداً. وذكرت إحداهما وتدعى أم ذيب، أنها تقود سيارتها لتأمين طلبات المنزل في ظل ظروف قاسية، وتابعت: «نقود السيارة ولا نواجه أي خطر وسط المدينة، وفي الصحراء الكل في طريقه، والأهم من ذلك أن تكون لدى المرأة مهارة قيادة السيارة». وتطرقت إلى أن كثيراً من المعلمات لا يجدن من يوصّلهن إلى مدارسهن، فيقدن السيارات بأنفسهن، مشيرة إلى أنها تخفي سلاحاً في سيارتها أحياناً على سبيل الاحتياط، ولا تتعرض للتفتيش أو التوقيف، موضحةً أن الجهات الأمنية تقبض على المرأة المخالفة. من جهته، أكد مصدر مطلع في فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن هناك دراسة تُعد للحد من قيادة المرأة للسيارة في محافظة تثليث، وأضاف ل«الحياة»: «تم البحث مع إمارة منطقة عسير في ما يتعلق بقيادة المرأة للسيارة في محافظة تثليث، التي أصبحت أمراً اعتيادياً لدى الكثير من الأسر، ورفعت تقارير وخطابات بشأنها، وهناك دراسة جادة لمنع عدد منهن، نظراً لما يترتب على ذلك من مخالفات كثيرة، ونسعى بكل إمكاناتنا لإيجاد حد معين لقيادة المرأة للسيارة في المحافظة»، مشيراً إلى أن النساء يواجهن مضايقات، لكنها قليلة. وذكر الاختصاصي الاجتماعي عبدالعزيز السلولي، أن كثيراً من النساء يلجأن إلى قيادة السيارة بسبب ظروف قاسية، تتمثل في فقدان العائل الوحيد وهو الزوج، وعدم وجود الأبناء، أو لصغر سنهم، وتابع: «اطلعت على قضايا كثيرة محزنة عن تورط عائل الأسرة في المخدرات، وهذه تمثل شريحة كبيرة في عدد من القرى والمدن النائية، وأتطلع إلى أن يكون للجان التنمية الاجتماعية دور بارز في تشكيل لجان إصلاح يقوم عليها متخصصون في الجانب الشرعي والاجتماعي والحقوقي، لأن فتح المجال أمام المرأة لقيادة السيارة من أجل قضاء حوائجها ليس حلاً جذرياً لتلك المشكلة، بل له أضرار كثيرة». وطالب السلولي بدور فعلي للمجتمع والقبيلة في تحقيق تطلعات مثل هؤلاء النساء.