لا بد للمرء أن يظل في هذه الأيام مشدوداً إلى الشاشة الصغيرة التي تنقل له أخبار الوطن العربي الكبير. ويشعر من يعيش خارج هذا الوطن، بانشداد أكثر تعقيداً ربما ممن يعايش الأحداث أو يجاورها. انشداد تعود معه أجواء كانت اختفت، وذكريات كانت غاصت بعيداً، وحروب مرت ونكسات هزت، ومشاعر الفرح والانكسار... تعاوده بعيداً وهو أكثر هشاشة، فتأتي أكثر قوة وتأثيراً. وما يساهم في تكريس العودة، بث يومي متكرر لأغنية «الوطن الأكبر» على قناة «آرتي افلام1». تأتي هذه الأغنية فتضيف شجناً فوق شجن، وقلقاً فوق قلق، لكنها تولّد كذلك حرارة كانت بردت، وتنعش بذوراً كانت ماتت موتة لا رجعة فيها، هكذا كان الظن. في كل مرة تعبر صورة كبار المغنين وهم يؤدون هذه الأغنية من فايدة كامل إلى نجاة وشادية وصباح ووردة وعبد الحليم بقيادة عبد الوهاب كمايسترو، لا بد من التسمر أمام التلفزيون حتى ينتهي كل من أداء فقرته ويكتمل النشيد الحماسي الوحدوي الذي طالما هز المشاعر العربية. فما هو السر؟ على رغم كل ما تدركه في قرارة نفسك من كلمات الأغنية التي كانت فقدت معناها («وطني يا قلعة الحرية»، وطني «اللي كل حياته سيادة»)، من ادعاءات عن هذا الوطن الذي لم نر يوماً «انتصاراته مالية حياته»، ولم تكن «حياة المجد» حياته، رغم الإخراج المثير للسخرية، والنغم الغربي العسكري البعيد عن موسيقانا التراثية، رغم الكومبارس الذي يعبر خلف المطربين طوال الوقت وهو يؤدي حركات سخيفة، من الجنود الذي يحاربون على المسرح إلى الفلاحين الذين يضربون بمناجلهم، مروراً بحملة المشاعل وهم يخطون في مشيتهم العسكرية، فالطالبات المتحديات بسيرهن كل فكر متخلف... رغم «وطن العز» الذي فقدناه، تنجح تلك الأغنية بتحريك الأحاسيس. لم؟ أهو الحنين إلى زمن ولى، أم الشجن بسبب حلم لم يتحقق؟ أم لأن الأغنية تجسد فقط معاني جميلة حلم بها المواطن العربي وما زال. أم هل الشعور بها مستقبلي «حنكملك حرياتك» يجسد الأمل الجديد الذي بدأ بالبزوغ؟ وطن المجد يا وطني العربي، ما المصير الذي ينتظرك؟