كالمعتاد قمت من نومي ضحى الخميس «4 جمادى الآخرة 1430ه» مترقباً يوماً جديداً مذيلاً بما كتبه الله من عمل وسعي، فوجدت اتصالاً من أخي محمد بن رشيد الرشيد، فلما أعدت الاتصال به راعني صوته المخنوق الذي حمل لي كلمة أحس بحرارتها وفجاعتها حتى هذه اللحظة: أحسن الله عزاءك بوفاة الوالد! قالها محمد وانعقد اللسان، فقد كنت قبل أسبوع في المستشفى مع والده رحمه الله تعالى أطارحه الحديث حول عطائه وفضله، فكان يبتسم حيناً، وحيناً يكاد يبكي! فكثيراً ما أتيته في بيته فحادثته وبشرته بما وفقه الله إليه من البذل والإحسان فتدمع عيناه قائلاً: إنما أنا يا عبدالعزيز مؤتمن والمال مال الله، ولكن العبرة بالقبول والتوفيق، سبحان الله ما أروع هذه النفسية، وما أجل هذا التصور «المال مال الله»، «إنما نحن مؤتمنون». لقد كان رحمه الله كثيراً ما يتساءل: ما أجل الأعمال في بذل المال؟! فأجيب: حسب حاجة الناس وفائدته لهم دنيا وآخرة، وعلماً وعملاً، وإن من أعظم ما يصرف له المال الآن تعليم كتاب الله جل وعلا في مجال النساء وتربيتهن، فإنهنَّ حاضنات الأجيال، ومربيات الرجال»، فما لبث أن توجه لهذا العمل بكل قوة مع حرص على التنظيم والتثبت، فأثمر غرسه مزداناً للناظرين، والشواهد في الواقع دليل للسائرين، إضافة لهذا وذاك تجد له في كل عمل سهم «الإطعام، الصدقات، الكفالات، عمارة المساجد» لقد كان رحمه الله متواضعاً مع الجميع يحب الصغير والفقير، والأدب في المجلس، وكان حريصاً على قراءة القرآن كثيراً والجلوس في المجلس عصراً خصوصاً في رمضان، وإفطاره مع المساكين في المسجد، وكذلك كثرة إنفاقه وبذله للمال في وجوه الخير وبالذات في مجال خدمة القرآن الكريم للرجال والنساء والفتيات خصوصاً، «خيركم من تعلم القرآن وعلمه». إنَّ والدنا رشيد بن محمد آل رشيد لمدرسة كبرى في الخير والبذل والعطاء والصبر والطاعة، وله في عنق كثير من الفتيات حق الدعاء له بما يسر لهنّ من ماله تعليم القرآن الكريم، خصوصاً في القصيم وبريدة تحديداً، وما موته وجنازته وحشود الناس المكتظة في المقبرة، لدليل خير وشاهد بر بما يحمله الناس له. إنَّ وفاة هذا التاجر المسلم الذي حرص على نقاء المال في حياته وبذله في وجوه مرضاة الله، واهتمامه بوصيته، التي كنت عليها شاهداً، ومسارعته لوضع أوقاف تدر عليه حسنات بعد مماته، وتنميته ورعايته لها وهو حي يرزق لتعلّم كثيراً من تجار المسلمين وشبابهم أن هذا الرمز الذي وُسِّد اللبن وغُيِّب في الثرى قد ولدّ الآن شاباً في قلوبنا، ووالله لن ننساه بدعوات صادقة مع نسمةِ سحرٍ، وتكبيرةِ مؤذنٍ، وتلاوةِ قارئ وقارئة، وزخةِ مطر، وركوبِ سفر، نعم سيبقى أبو محمد الرمز الأغر لرجل دخل القلوب بدون استئذان وبدون نفاق ولا شهرة ولا إعلام، عمل بصمت فنطقت الأعمال، وإن النَّاس لا تقدسهم أسماؤهم ولا قبائلهم ولا أراضيهم وإنما مآثرهم وإحسانهم ومحبة الناس لهم، وصدق سلمان الفارسي في رده على أبي الدرداء رضي الله عن الجميع: إن الأرض لا تقدس أحداً ، وإنما يقدس الإنسان عمله! المشرف العام على مركز وموقع حلول للاستشارات والتدريب