تلقيت من الأخ عصام العريان رسالة عتاب بسبب مقال لي عن الإخوان المسلمين نُشِر يوم الجمعة الماضي جاء فيها: سامحك الله على شكوكك غير المبررة تجاه الإخوان، ولعل بعضاً نقل اليك نقلاً غير أمين، والمطلوب أن تسمع منا وليس عنا، وأن تناقشنا في وثائقنا ومواقفنا وتصريحاتنا كعادتك مع كل الأطراف. مقال اليوم الجمعة ملتبس ومخاوفك أنت والآخرين من الإخوان المسلمين ليس لها مبرر، ولنا منذ ثورة تونس بيانات على موقعنا تخص مصر، أولها في 19 كانون الثاني (يناير) ويمكنك الرجوع اليها. الخوف الأميركي والصهيوني ليس من الإخوان أو الإسلام، بل هو من الحرية والديموقراطية، بخاصة انها لم تأتِ بدعم خارجي ولا على دبابة أميركية، وإن المصريين قادرون على استكمال المسيرة لبناء ديموقراطية حقيقية، وليست شكلية على النمط الأميركي الذي يُصدَّر الى البلاد الخارجية. نحن مع دولة مدنية حرة مستقلة ديموقراطية، الأمة فيها مصدر السلطات والرئيس فيها منتخب لمدة محددة والبرلمان هو جهة التشريع والرقابة، والمحكمة الدستورية تراقب دستورية القوانين، والنشاط الأهلي والنقابي والحزبي حق للجميع، والسلطة تدور بين الأحزاب في انتخابات حرة سليمة، والإسلام مرجعية الأمة، مسلميها ومسيحييها، لأنهم شاركوا في بناء حضارته العظيمة، وإلى الآن هم جميعاً مواطنون لهم حقوق متساوية، بل وغير المؤمنين لهم حقوق، وكذلك اليهود غير الصهاينة، دولة مدنية لكل مواطنيها تعيد لأمتنا الثقة في نفسها وتضعها في المكانة التي تليق بها... أقول إن الرسالة واضحة والدكتور العريان، عضو مكتب ارشاد الإخوان المسلمين والمتحدث باسم الجماعة، بدأ رسالته بتذكيري انه كان من كتّاب «الحياة» من دون انتظام، وقال انه يبدأ قراءة جريدتنا هذه بالعناوين، ثم مصر ثم زاويتي هذه. وهو ختم رسالته طالباً دعواتي لمصر بالحرية والأمن والكرامة والاستقرار. ليست لي مشكلة إطلاقاً مع الإخوان المسلمين في مصر أو غيرها، وأرحب بهم جزءاً أساسياً من الحكم في كل بلد عربي، ولكن من دون أن ينفردوا بحكم أي بلد، لأن كثيرين من الناس لهم آراء مختلفة وربما تناقض فكر الإخوان. وأنا لا أريد أن يحكمني شيخ الأزهر أو بابا الإسكندرية أو أي رجل دين، وإنما أنقل من رسالة الدكتور العريان خياري الشخصي أو «دولة مدنية حرة مستقلة علمانية ديموقراطية». مقالي الذي رد عليه الدكتور العريان بدأ بحملة التخويف من الجماعة، فبعد عبارة «الحمر قادمون» أيام الحرب الباردة، أصبحوا الآن يهتفون «الإخوان المسلمون قادمون»، وكان ردي في المقال على الهاتفين «ان شاء الله» وزدت انه «إذا كان الإخوان المسلمون يخيفون إسرائيل والليكوديين الأميركيين وأعداء العرب والمسلمين فلا أقول سوى أهلاً بهم». وقلت في الفقرات اللاحقة ان عند الإخوان من حسن التنظيم والتمويل والخبرة ما يمكنهم من استرداد موقعهم في مصر من دون أن يسعوا الى التفرد في الحكم، لأن الجيش المصري لن يسمح لهم بذلك وهم يعرفون ان العالم الخارجي لن يقبل بهم. رسالة الدكتور العريان إليّ كانت من نوع مقال له نشرته «نيويورك تايمز» في العاشر من هذا الشهر تحت العنوان «ما يريد الإخوان المسلمون» وتحدث فيه عن إصلاح تدريجي وتقدم وحقوق للجميع ودولة مدنية ديموقراطية. إذا كان هذا موقف الإخوان فأهلاً وسهلاً بهم في مصر وكل بلد عربي، وأنا أعرف مدى شعبيتهم العامة، وكنت كتبت عن مصر عشية الانتخابات البرلمانية المصرية وفوجئت بعد إعلان النتائج بعدم فوز الإخوان بأية مقاعد فقلت في هذه الزاوية في 22/12/2010 والرئيس مبارك في الحكم ولا تهديد له: «ولم أتوقع أبداً ألا يفوز الإخوان المسلمون بأية مقاعد، وأتمنى لو أن الرئيس يحل المجلس الجديد في الوقت المناسب، ويأمر بإجراء انتخابات جديدة». لعل ما حفّز الدكتور العريان على مناقشة زاويتي يوم الجمعة الماضي هو قولي في نهايتها: «أرحب بالإخوان المسلمين شركاء في الحكم من دون أن أُخدع بتصريحاتهم...»، مختتماً حديثي عنهم بالمثل المصري إتمسْكن لما تتمكّن». أولاً، لا أعرف أحداً يستطيع أن يصل الى الحكم ولا يحكم، رجلاً كان أو حزباً، وثانياً أقبل تصريحات الإخوان منذ الثورة على حسني مبارك، وتحديداً قولهم انهم لن يتقدموا بمرشح للرئاسة، وأنهم يريدون دولة ديموقراطية مدنية لجميع المواطنين، وثالثاً سأحمل الى الدكتور العريان في زيارتي المقبلة الى القاهرة نماذج عن حملة التخويف في الخارج منهم، خصوصاً جهد لوبي إسرائيل في الولاياتالمتحدة، ورابعاً أنصح قادة الإخوان بأن يتعمدوا ان يكون «جلدهم سميكاً»، والعبارة ترجمة عن الإنكليزية، وتعني ان يتوقعوا النقد وأن يتحملوه، لأنهم سيتعرضون لكثير منه، والسياسة غابة. [email protected]