{ قالت الشاعرة رشا أحمد إنه على رغم عصر الرواية إلا أن الشعر يبقى الملاذ الأخير، مضيفة أن كتابة الرواية تحتاج إلى خبرة حياتية ومهارات ولغة. وأوضحت في حوار ل«الحياة» إن الشاعر لا يستدعي القصيدة، وإنما هي التي تستدعيه، رشا أحمد التي تعيش في سلطنة عمان صدر لها «في ذات العشق» و«لم يكن إلا ماء قلبي» و«ضجر الخسارات»، وهي مثل جبال عمان منيعة وخضراء، وطينتها ندية وخصبة كطين النهر الذي أمدها بالصرخة الأولى وتكوينها الأزلي. «الحياة» التقتها فكان هذا الحوار حول تجربتها الشعرية وشعراء عمان وقضايا أخرى. اسم مدونتك، ودواوينك، بين خضرة القلب وذات العشق، هل رشا كائن منصهر بالحب والشعر وكأن الحياة تنفس لقصيدة أو رقصة خالدة؟ - الحب هو دائماً المحرض البريء على الوهم بسريرة طيبة القلب يدفعنا لجدار الوهم، فنصطدم ونصدم ونعود له محال أن يكون الجدار مدى إلا بالأحلام في اللانهاية بوح الحب قصائد يسمعها، ولا تراه فخلف أعتاب الأحرف قصائد يسمعها ولا تراه خلف أعتاب الأحرف نرسم عوالمنا من وحي اللحظة والحلم حياتنا كلها سراب، فالشاعر حالم خيالي يركض وراء السراب كمن يرى المياه بالصحراء، فيركض للبحث عن الحقيقة فهل يصل أو يضل الطريق، كثيرون من يسألونني هذا السؤال لم الحب أهرب دائماً، ولكن سأجيبك هل لنا أن نصغي قليلاً لصوت المحبة بعيداً عن أصوات الدمار والحروب. أحب النص الذي يشبهني الذي يستخرج كل مكنوناتي الغائبة الذي يعريني من كل شيء ومن الوجع الذي ينهشي بالخفاء، وحده الشعر يعرف من أحب أنا أجرد نفسي من كل شيء أصرخ أتوجع أحب، أهرب للنص من كل الخوف الذي يحاصرني، إنه الحالة الحميمية الذي أعكس به ذاتي إلى النص وبخفة فراشة أنتقل إليه. وتسألني: ما الحب؟ الحب أن تعيد نفس الأخطاء مرة بعد أخرى! هل نحن موعودون بالخيبات لنمرر أخطاءنا دونما وعي، ألا يفترض بنا أن ننجو بالحب بدل الوجع؟ «لا حاجة لكسر المرآة. ها هو الوجه مهشّم. صالح لسبع سنين من الأحزان». و. س. ميروين. الكتابة قطعة حلوى أتلذذ بها فأعود إليها، أكتب وأحذف أمزق أوراقي، هي محاولات تأتيني فأكتبها وأنساق لها وأعيشها بكل التفاصيل، ربما هي مسودة واحدة أو مسودات عديدة، وكما قال رسول حمزاتوف: وجع قلبي وفرحه، هما اللذان يجبراني على الإمساك بالقلم: ولكافكا مقولة أخص نفسي بها: «لا أشعر بحقيقة نفسي إلا عندما أصاب بحزن لا يطاق». كن ياسمين يدي. واترك لي مواعيد تفتُحِك. وتعثري بك! أي المواعيد التي اخلفت وقتها معك وهل أنت لحوحة إلى درجة وضع السكر قبل سكب الشاي؟ لست لحوحة بمعناها العام لكني أستعجل الورد.. أستنشق الرائحة قبل التفتح.. أصر على لحظات الشروق.. قبل البزوغ.. أترقب الإشراق بشغف ولا أنتظره بقلق.. ألح على لحظات الصفاء.. مخافة أن يبددها الضباب.. ولم أخلف مواعيدي.. ولا حتى وضعت الشاي قبل حاجته.. أما السكر فيأتي دائماً لأوانه. المشهد الشعري العماني في أغلبه درويشي بامتياز، كيف نقرأ المشهد الشعري في عقدين من الزمن؟ - مشهد يتقدم بشكل ملحوظ، على رغم عزلة من تفردوا، ويمكننا العودة لنصوص سيف الرحبي وسماء عيسى وعبدالله حبيب ومبارك العامري ومحمد الحارثي وصالح العامري وآخرين، وسنجد أن المشهد الشعري نصوصياً متألق جداً، وحتى الأجيال التي تلت واختلطت بما سبق ومن سبق كعوض اللويهي وفاطمة الشيدي وزهران القاسمي وغيرهم وبعض الشعراء الشباب، ثمة حضور ملفت لا سيما لنصوص المخضرمين وخصوصاً قصيدة النثر التي بات كتابها يخرجون أرانب من القبعة. بالنسبة للأصوات السابقة لا تقترب أبداً من الدرويشية سواء من حيث البنية والشكل أو القاموس والمواضيع وفي الوقت نفسه توجد أصوات شابة جيدة، لكنها درويشية إن كنت تقصد بالدرويشية التأثر بمحمود درويش، والشعر العماني عموماً في العقدين الأخيرين هو شعر رمزي بامتياز أيضاً، وهذا موضوع يطول لا سيما أنه يلتقي مع المجاز أيضاً المكثف. سماء عيسى، سيف الرحبي، وزاهر الغافري، أسماء حملت النص العماني في السبعينات والثمانينات للخريطة العربية، ثم ساد الهدوء في اختمار التجارب التي تسربت مثل بركان زاخر للمحيط كله، هل فهم الجيل الحديث ثقله التاريخي وإرثه الحضاري واستعاد سفر بن ماجد واستدل على البوصلة الحقيقية للشعرية الحديثة؟ - هذا سؤال مبطن من جاء بعد أن أضاع البوصلة الأسماء المذكورة كانت خارج عمان، وفي الوقت نفسه هم جيل الرواد، وكان لا بد من الالتفات لهم وتمحيص تجربتهم كونهم بروز حداثي أول ومثير وخروج على الشكل والمضمون مبكراً، أما اليوم مع كثرة التجارب فالوقوف على انتشار تجربة وخروجها من المحلية ليس بالأمر السهل، يعتمد على ظروف كثيرة، ولا تنسى أن التجارب تلك لا تزال موجودة ومختلطة بالتجارب التي تلتها، على رغم أن أصوات كثيرة عمانية معروفة ومتابعة لدى قراء دول الجوار ومصر والمغرب أيضاً. ما الذي يشغلك الآن أدبياً، وهل ستكتب روايتها الأولى والتجارب كثيرة أمامنا في كتابة الرواية من الشعراء، ولا سيما والجوائز الروائية ذات حضور وتثير جلبة كبيرة على المستوى العربي؟ - ربما نحن في عصر الرواية ولكن يبق الشعر هو ملاذنا الأخير. كتابة الرواية تحتاج إلى خبرة حياتية ومهارات ولغة وأظن أن كتابة أي نص، الرواية تحتاج إلى تكنيك وحرفية ربما لا تتوافر لمبتدئ وقبل ذلك لابد أن يكون هناك قراءة عميقة لعيون الأدب في المجالات كافة وبعد ذلك قراءة في التاريخ وعلم النفس والاقتصاد والسياسة، لأن من وجهة نظري الرواية حياة موازية وكلما كان الكاتب موسوعياً متدفقاً له عين بصيرة لاقطة كان النص الروائي عميقاً وواقعياً. مشروع الرواية سيكون مؤجلاً بهذه الفترة لاشتغالي بمجموعة شعرية جديدة بعنوان «رسائل لفيرجينا وولف». هل سبق وذقت طعم الخيانة في الشعر؟ - الشاعر لا يستدعي القصيدة، وإنما هي التي تستدعيه. إلى مثل هذا يرمي الشاعر والناقد الفرنسي بول فاليري إذ يقول: إن الشاعر لا يبدأ من فكرة أو مجموعة من الأفكار، وإنما يبدأ من إيقاع أوليّ يتردد في ذهنه، يكون نتيجةً لظروف متنوعة مؤاتية للشعر. هذا الإيقاع الأوليّ هو، كما يقول فاليري، العبارة الأولى أو البيت الأول الذي تمنحه الآلهة. ولكن ما يأتي عفواً أو منحةً أو هبةً هو الذي يفتح المجال للعمل كي يبدأ. وكما قال الإيطالي شيراز بافيس ليس لنا سوى أن نبدأ. وهكذا بدأت. أكتب لأجس سلامة نبضي وتواتر أنفاسي، أكتب لأتنفس ولأبرهن أني ما زلت على قيد الحياة. بدأت بمنحة أو نفحة من النثر. بدأت كطفلة بدأت تخطو خطواتها الأولى إلى لحظة ولادة طفلي الأول المدلل في ذات العشق. أحرك أجنحتي حين أشعر بموعد الطيران، فالقصيدة لا وقت لها ولا ميقات لها إلا وطأة الميلاد، وما شاء لها من الألم والحزن والشعر. 17 عاماً وأنت تتنفسين في سلطنة عمان، ما العوامل التي جعلت مسقط تسكنك وتتغلغل في دمك مثل ماء النيل؟ - أنا ابنة بيئتي، فأنا ابنة النيل، لكن هنا بدأ عشق آخر عشق طبيعة مغايرة طبيعة قد تكون قاسية لكنها كانت يداً حنونة لن أجد كلمات تفي بعشقي لها أكثر من نص لأستاذي مبارك العامري «كلما جئتُ لاهثاً/ مغسولاً بالتعب/ تفتحين صدرك الوثير/ كخان تقطنه المحبة../ وكلما اشتهيت أن/ أصنع/ وطناً صغيراً/ لأحلامي المبعثرة/ تفرشين أهدابك/ سجادة/ تستقرُّ عليها الروح./ أنتِ الشاهقة دوماً/ كمسلَّة نحتتها النسور/ وأصقلها الوجع../ كنتِ مأوى للنيازك/ وسوقاً للباحثين عن المجد/ وواحةً للأحلام الكبيرة».