«هل تحتاج إلى عربة؟»... يتردد هذا السؤال كثيراً على مسامع المتجول في سوق عتيقة. أصوات حادة نابعة من أجساد غضة، لم تكمل عقداً من العمر، تحملت أعباء الحياة «باكراً» سواء كانت «مجبرة» او كنوع من الشعور بالمسؤولية. فايز وماجد ومحمد ثلاثة أطفال من عشرات يعملون في سوق خضار عتيقة وسط العاصمة يعملون في تحميل صناديق الخضراوات والفواكه إلى السيارات، بعضهم يعملون فقط، متخلين عن مدارسهم ودراستهم، وبعضهم يحاول التوفيق بين الأمرين، حتى وإن كانت كفة العمل راجحة على «الدراسة». عند سؤالهم عن سبب وجودهم هنا، كانت الجملة العامل المشتركة في إجابات الأطفال: «أنا أعول أسرتي». صغار لم يبلغوا سن الحلم، رووا قصصهم وظروفهم ل«الحياة» حتى وإن كانت روايات بعضها لم يكتمل، بسبب انقطاع بعضهم عن الحديث، بمجرد ظهور فرصة لكسب الرزق. ولا يمنع صغر سنهم وجود المشادات والصراعات بحثاً عن نصيب أكبر في يومهم، يقول الطفل فايز (9 أعوام) إنه بعمله هذا يعول أسرته، فوالده رجل عاجز، مشيراً إلى انه يتحصل يومياً على مبلغ يتراوح بين 50 و100 ريال، لكنه نوه إلى أن هذا الدخل ليس ثابتاً «فالعمل خلال أيام الأسبوع قليل، في حين أن نهاية الأسبوع يكون الكسب أكبر». ويحاول ماجد (10 أعوام) أن يوازن بين المدرسة والعمل في عتيقة، «أذهب عادة إلى المدرسة، لكن حين تتعب والدتي فإنني أعمل لتوفير الطعام والشراب والأدوية لها لتتعافى». أما محمد الذي يبلغ من العمر 9 أعوام فيعمل من الساعة التاسعة صباحاً حتى الرابعة عصراً، «أرتاح في الأوقات التي يقل فيها عدد المشترين في السوق». ويشير إلى أنهم يتناولون الغداء في أقرب «بوفيه» متخصصة في بيع الساندويتش، لأنها الأرخص، «ونوفر بقية المبلغ لمساعدة أسرنا». من جهتها، أكدت الاختصاصية الاجتماعية أسماء محمد أن عمالة الأطفال واشتغالهم بمهن تدر عليهم دخلاً يومياً لها مسبباتها، «مثل هذه الحالات في أي مجتمع لا تولد من أجل الترفيه أو التجربة، فللأطفال حاجات نفسية وجسدية لا تتوافر في مثل هذه الأعمال». ولفتت إلى أن الخطر الأكبر في عمل هؤلاء الأطفال، تسربهم من المدرسة، «لا يمكن لطفل منهك أن يعمل بجهد بدني أن يذهب إلى مدرسته باكراً، والنتيجة حرمانه من التعليم، فضلاً عن تأثره صحياً وجسدياً». وحذرت من السماح للأطفال بالعمل في مثل هذه المهن، لأنهم بذلك «عرضة للخطر أكثر من الكبار، فحمل الأشياء الثقيلة سيؤثر في جسد الصغير، وربما يتعرض للمخاطر والحوادث، فصغر جسم الطفل مثلاً يصعب على قائدي المركبات رؤيته، وهو يقف خلف سيارة أو شاحنة ليقوم بتنزيل أو تحميل الصناديق». وخزرت من إلى احتمال تعرض الأطفال للتحرش «الجنسي» والعنف من الكبار، والاستغلال المادي من ناحية أخرى، «وكل ما ذكر هو انتهاك صريح للطفولة ومصادرة لحقوق الطفل التي شرعها الدين الإسلامي وصادقت عليها الدولة حين انضمت للاتفاقات الدولية بشكل مباشر». وحملت الاختصاصية البلديات ومراقبيها وأجهزة الأمن، والجهات التعليمية التي لا تتابع غياب طلابها المستمر، «ولا تعني هذه المسؤولية أن نغفل عن مسؤولية الأسرة الأساسية وهي حماية الطفل وتعليمه وإشباع حاجاته البيولوجية النفسية، ويجب محاسبتها أولاً وإعادة تأهيلها عبر مراكز استشارات ومتابعة أدائها لاحقاً. بدوره، طالب الاختصاصي النفسي وليد القحطاني الجهات المسؤولة بالسعي الجاد لإنهاء مشكلة الأطفال العاملين في الشوارع، «عبر دراستها ووضع حلول لها من الجهات ذات الاختصاص المهتمة برعاية الطفولة في المملكة». وأضاف: «انتشار الأطفال كبير داخل الأسواق، يوجد عدد لا يستهان به من هؤلاء الأطفال لا تتجاوز أعمارهم التسع سنوات أي في سن الدراسة». ونبّه إلى أن الأطفال في مثل هذا العمر يتشربون عادات وسلوكاً خاطئاً من البيئة المحيطة بهم، الأمر الذي يشكل خطورة على مستقبلهم إذا لم يتم متابعتهم من متخصصين، وهو ما يجعلهم قنبلة موقوتة تهدد أمن المجتمع واستقراره. وشدد على أهمية تضافر الجهود بين كثير من المؤسسات رسمية وغير رسمية لدعم هؤلاء الأطفال من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والنفسية. من جانبه، أكد طبيب الأطفال إسماعيل الرشودي أن الأطفال المتوجودين في الشوارع تواجههم مشكلات صحية تكمن في الكحة المزمنة نتيجة للأدخنة المتصاعدة من السيارات وبسبب تغير الجو في فصل الشتاء الذي يسبب لهم نزلات البرد، والتسمم الغذائي نتيجة لأكلهم الأطعمة غير النظيفة.