في مجتمعات كثيرة شرقاً وغرباً يسألك محدثك «ماذا تفعل للمعيشة؟»، أي ما هو عملك الذي يؤمن لك سبل العيش؟ في ثقافتنا غالباً يكون السؤال «وين تشتغل»، ولاحظوا الفرق بين من يتوقّع أن تكون موظفاً، مهنياً حراً، مبدعاً، مستشاراً، منسّقاً، شريكاً في «بسطة» أو محل، وبين من يحصر التوقّع في أنك غالباً موظف لدى جهة ما حكومية أو خاصة. المعيشة، الكلمة التي استقى منها كبار السن كلمة «المعاش» التي يصفون بها الراتب أو الأجر الشهري، وهي تحصر الأساسيات المتمثلة في الأكل والشرب والكساء والمسكن، أو الستر بعبارة أجمل، وهي في فترة زمنية ما كانت المطالب الوحيدة غالباً للناس، وهي المطالب التي تغيّرت، فاليوم يمكنك أن ترى شاباً يمضي اليوم بأكمله من دون طعام يذكر، لكن يصعب عليه البقاء الفترة ذاتها من دون اتصال، أياً كان نوع هذا الاتصال، وهو بالمناسبة ليس محقاً بالضرورة. في تلك المجتمعات، يصعب على غالبية الناس، العيش من دون فعل، العيش بمفهومه الأساسي، وفي مجتمعنا هو أيضاً صعب، لكنه ليس على غالبية الناس، فالملاحظة، أن كثيرين يمارسون «العيش» من دون فعل ما، معظمهم مضطرون، وأكثرية المضطرين من النساء، وبعضهم باختيارهم، فهم يأكلون ويشربون ويسكنون غالباً عند أهاليهم ويجدون منهم ما يكسو الظهر، ويملأ البطن. جزء من المشكلة، هو الاستسلام، وجزء آخر هو الكسل، والدليل وجود المقابل لهؤلاء، فالبعض يظل يحاول ويحاول كسب العيش، حتى لو بممارسة هوايته، أو خلق هواية له، لتجعله يشعر بأداء شيء مختلف عن النوم والاستيقاظ والدوران في حلقة اللاشيء. أتوقّع أن يذهب البعض فوراً بتفكيره إلى عدم توافر الوظائف، هذا هو السبب الرئيسي، لكن الأسباب الأخرى الصغيرة مجتمعة، تصبح سبباً رئيسياً ولو كان ثانوياً، وليكون الحديث قريباً من الواقع لنستحضر مثالاً أو اثنين. من يجلس أو تجلس أمام «النت» لساعات يمكنه تسويق السلع والخدمات والبطاقات على مجموعاته الكثيرة، أو تسويق الإعلانات، أو الاستفادة من عروض المواقع التي تتيح الكسب المادي في مقابل كل «كليك». من يدور في الشوارع لا يلوي على شيء، يمكنه أن يكون بديلاً للسائق على مستوى أخواته وقريباته وعائلته، أو تجميع إعلانات البيع والشراء على المواقع لمصلحة المكاتب العقارية، أو لمصلحته وتبويبها وفرزها وربط الأطراف بعضها ببعض. نسمع كثيراً من الشباب يردون على أفكارنا بالقول «محد يموت من الجوع»، وأخشى أن بعضهم قد يموت من «الطفش»، ونسمع أيضاً أن حلولنا يجب أن تكون للفقراء المعدمين قليلي التعليم، وأقول إن بعض الحلول ستسهم في الحد من نزيف الطبقة المتوسّطة نحو الطبقة الفقيرة، لتثبت ثم تتراجع... مثلاً يعني. [email protected]