غياب وجهل «تام» بالعواقب القانونية، يعيشه مغردون سخروا حساباتهم الشخصية والوهمية، لشتم واتهام المؤسسات والجهات الحكومية، عبر موقع التواصل الاجتماعي الأشهر «تويتر»، إذ ظلت جهات ومؤسسات حكومية تتلقى إساءات متتالية في شكل يومي وعلى مدار الساعة، عبر معرفاتها الرسمية في موقع التدوين الاجتماعي «تويتر» التي أنشأتها معظم الجهات في المملكة، لتعزيز العلاقة مع المواطنين والمستفيدين، ولتأكيد مبدأ الشفافية في التواصل ورفع مستوى الأداء الحكومي، إضافة إلى نشر إنجازات القطاع، وتعريف المستفيدين بخدماته والإجابة على استفساراتهم وتلقي ملاحظاتهم. إلا أن هذه المواقع أصبحت «كيس ملاكمة» يصب فيه مغردون جام غضبهم بتغريدات مسيئة، ولم يكتف هؤلاء المغردون بالإساءة إلى أداء الجهات الحكومية، عبر «تويتر»، بل إن بعضهم تقمص دور «القاضي» و«النائب العام» في التحقيق وإصدار الأحكام ضد الجهة الحكومية، إضافة إلى تقمص دور الهيئة العامة لمكافحة الفساد (نزاهة) في محاولة التحري عن أوجه الفساد المالي والإداري لدى الجهة. ومع التطور السريع، لمواقع التواصل الاجتماعي، سارعت معظم الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية إلى تطوير قنوات تواصلها مع المستفيدين، وإنشاء منصات تفاعلية خاصة للرد على استفسارات الجمهور وتلقي الشكاوى، والتجاوب مع متطلباتهم، ونشر كل ما يهم المواطن والمقيم من تعليمات، والرد على الإشاعات، ونشر المعلومات الصحيحة، وتوضيح كل ما يهم المواطن والمقيم من أنظمة جديدة، وتفسيرها وتوضيحها. إلا أنها تواجه سيلا من الإساءات المنافية للنقد البناء، إذ تسعى تلك الإساءات إلى «إثارة الرأي العام» وتشويه إنجازات الأجهزة الحكومية، كما تخللت تلك الإساءات «اتهامات جنائية» ب«الفساد» و«الكذب» و«السرقة» و«القصور»، ما يعرض المسيئين للمسائلة القانونية. ويواجه المتهجمون على الحسابات الإلكترونية للجهات الحكومية عقوبتي السجن والغرامة المالية، بحسب نظامي «مكافحة الجرائم المعلوماتية» و«المطبوعات والنشر»، هذا ما أكده المستشار القانوني محمد الهيجان، الذي أوضح ل«الحياة» خطورة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية، للتهجم على الجهات الحكومية، وتوجيه اتهامات جنائية إلى أدائها، مؤكداً أن نظام الجرائم المعلوماتية يجرّم في مادته السادسة إنتاج محتوى من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده، أو إرساله، أو تخزينه من طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي. كما يعرض مرتبكي تلك الجريمة الإلكترونية إلى عقوبة السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، مشيراً إلى المادة التاسعة من نظام المطبوعات والنشر في السعودية، التي تشدد على التزام الناشر في المطبوعة النقد الموضوعي والبناء الهادف إلى المصلحة العامة، والمستند إلى وقائع وشواهد صحيحة، ويحظر أن يُنشر في أية وسيلة كانت ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية أو الأنظمة النافذة، أو ما يدعو إلى الإخلال بأمن البلاد أو نظامها العام، أو ما يخدم مصالح أجنبية تتعارض مع المصلحة الوطنية. أو حتى التعرض أو المساس بالسمعة أو الكرامة أو التجريح أو الإساءة الشخصية إلى المفتي العام للمملكة أو أعضاء هيئة كبار العلماء أو رجال الدولة، أو أياً من موظفيها أو أي شخص من ذوي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية الخاصة، مؤكداً المحاسبة القضائية لمرتبكي تلك الجرائم بحسب المادة ال38 من نظام المطبوعات والنشر، التي تنص أنه «مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها نظام آخر، يعاقب كل من يخالف أحكام هذا النظام بواحدة أو أكثر من العقوبات التالية: غرامة لا تزيد على 500 ألف ريال، وتضاعف الغرامة إذا تكررت المخالفة، وإيقاف المخالف عن الكتابة في جميع الصحف والمطبوعات، أو عن المشاركة الإعلامية من خلال القنوات القضائية، أو عنهما معاً، وإغلاق أو حجب محل المخالفة موقتاً أو نهائياً، فإن كان محل المخالفة صحيفة فيكون تنفيذ قرار الإغلاق بموافقة رئيس مجلس الوزراء، وإن كان محلها صحيفة إلكترونية أو موقعاً أو نحو ذلك فيكون تنفيذ قرار الإغلاق أو الحجب من صلاحية الوزير، ونشر اعتذار من المخالف في المطبوعة إذا كانت مخالفته نشر معلومات مغلوطة أو اتهامات تجاه المذكورين في الفقرة الثالثة من المادة التاسعة من هذا النظام، وفق الصيغة التي تراها اللجنة، وعلى نفقته الخاصة، وفي المكان نفسه الذي نشرت فيه المخالفة. وأوضح الهيجان: «هناك حقائق لا بد من إيضاحها، في خصوص التهجم على الجهات الحكومية، أولاً نحن نعيش في عصر المعلومة المنفتحة، بحيث أصبح لكل فرد أو منظمة من الداخل أو الخارج، في أي بلد كان، القدرة على طرح رأيه، بل وأصبح حقاً من حقوق الأفراد، ثانياً أن الجهات الحكومية التي تقدم خدماتها أصبحت تحت موضوع «الرقابة الاجتماعية» من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ما يلزم هذه الجهات الاستعداد لتلقي الانتقادات، ثالثاً أن كثيراً من الجهات الحكومية لديها «قصور» في تقديم خدماتها، وأن فرص متلقي هذه الخدمة في تقديم الشكوى ليس مرناً أو سهلاً في بعض الحالات، إذ تتصدى بعض هذه الجهات للرد على رد ملاحظات أي متلقي للخدمة، وأحياناً لا يجد المتلقي للخدمة الشخص الذي يتقدم إليه بشكواه، والدليل على ذلك ما نلمسه في بعض البرامج التلفزيونية، منها «برنامج الثامنة»، وبرنامج «معالي المواطن». وأضاف: «في ظل هذه الحقائق والمحددات، فإن شكوى الجهات الحكومية من التهجم عليها كفله لها النظام أصلاً، من خلال نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، ولكن على الجهات كما هي الحال بالنسبة إلى الأشخاص أصحاب معرفات التواصل الاجتماعي، أن يكونوا دقيقين في تحديد شكاواهم». وتابع: «على رغم أهمية الجانب القانوني أو النظامي في حياة أي مجتمع، فإن هنالك عنصراً أهم من ذلك يجب أن تراعيه الجهات الحكومية ويراعيه المواطن - وتحديداً أصحاب المعرّفات - ألا وهو الجانب الأخلاقي، فلا بد أن يكون النقد نقداً هادفاً بناء، فالمواطن له حقوق وعليه واجبات، وكذلك الجهات الحكومية لها حقوق وعليها واجبات، ولا بد أن يكون هذا هو المبدأ في العلاقة الناشئة بينهما». وعن ماهية العلاقة بين الإعلام والجهات الحكومية، أوضح الهيجان أن الإعلام هو حلقة الوصل بين المواطن والجهات الحكومية، والمعين للجهات الحكومية على تحقيق أهدافها، وذلك من خلال بعض القصور الذي لا ترضاه تلك الجهات من بعض منسوبيها، ما يتعارض مع أهدافها ويعوق قيامها بمهماتها وفق ما هو مرسوم لها، وهو ما نشاهده في كثير من الجهات الحكومية في تفاعلاتها، من خلال ما يطرح في الإعلام لمعالجة القصور، سواء أكان بقصد أم بغير قصد، مشدداً على أن ذلك لا يتعارض مع حرية التعبير، لما أشير إليه من ضمانات قضائية تكفل لجميع الأطراف تحقيق محاكمة عادلة، كما جاء الأمر الكريم لتحقيق مبدأ الاستقلال التام للقضاء في أحكامه وقراراته، بعيداً عن أي سبيل من سبل الضغط.