أصدر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في 28 كانون الثاني (يناير) الماضي قراراً قضت المادة الأولى منه «بعقد مجلس النواب اليمني اجتماعاته في العاصمة الموقتة عدن»، وألزمت المادة الثانية من القرار «هيئة رئاسة المجلس ورئيس مجلس الوزراء والأجهزة المعنية كافة بالعمل على تنفيذ القرار»، غير أن البرلمان لم يعقد أي جلسة في العاصمة عدن حتى اليوم، على رغم مرور سبعة أشهر على قرار النقل، ما يعكس تعذراً، يضاف إلى سلسلة طويلة من العثرات المتلاحقة التي لا تقل أهمية عن فشل انعقاد جلسات البرلمان. فالسلطات الشرعية التي تحظى بتأييد المجتمع الدولي، لم تنجح في صرف مرتبات موظفي الدولة منذ إصدارها قراراً بنقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى عدن في أيلول (سبتمبر) 2016، كما عجزت مؤسسة الرئاسة والحكومة عن تثبيت الأمن في مناطق محررة عدة وفي مقدمها عدن، بالتالي لم تتمكن وفق مراقبين من إدارة هذه المناطق في شكل فعال، يقدم نموذجاً مغايراً للمحافظات والمناطق التي لا تزال خاضعة لسيطرة الميليشيات الحوثية، والتي تعاني من انفلات أمني أوسع. وأخيراً التقى الرئيس هادي في العاصمة السعودية الرياض بأعضاء مجلس النواب المؤيدين الشرعية، كما جمعه لقاء آخر برؤساء الكتل البرلمانية، وفي اللقاءين تحدثت قيادات الشرعية عن اقتراب موعد انعقاد البرلمان في عدن، وأن التجهيزات المتعلقة بمكان انعقاد الجلسات، وسكن أعضاء مجلس النواب في مراحلها النهائية، وأن جلسات النواب ستبدأ قبل عيد الأضحى المبارك. بيد أن مصادر سياسية يمنية مقربة من الحكومة الشرعية تحدثت إلى «الحياة» استبعدت «انعقاد جلسات مجلس النواب قبل العيد، أو حتى بعده مباشرة»، وسردت المصادر أسباباً كثيرة تحول دون انعقاد جلسات المجلس في المدى المنظور، وفي طليعتها عدم «تهيئة الأجواء المناسبة التي تسمح بعقد الجلسات في عدن، بخاصة في الجانب الأمني، كون العاصمة الموقتة عدن لا تزال غير مستقرة وتشهد حالاً من الانفلات الأمني يصعب السيطرة عليه، حيث تتكرر فيها حوادث الاغتيالات والاشتباكات المسلحة بين كثير من الفصائل المسلحة، ما يجعل أمن النواب مهدداً، فضلاً عن تأمين حركة انتقالهم داخل المدينة، إلى جانب عدم استكمال التجهيزات المتعلقة بمكان انعقاد الجلسات وسكن النواب وغير ذلك». وكشفت مصادر برلمانية يمنية ل «الحياة» أن «النصاب القانوني الذي يسمح بعقد جلسات البرلمان في مدينة عدن لم يكتمل بعد»، وأكدت المصادر أن «عدد أعضاء مجلس النواب المؤيدين للشرعية والموجودين حالياً في المملكة العربية السعودية يبلغ 107 نواب فقط، من مجموع عدد الأعضاء الأحياء البالغ 272 عضواً، إذ توفي خلال السنوات الماضية 29 نائباً، ولم يتم إجراء أي انتخابات تكميلية لانتخاب أعضاء جدد بدلاً من المتوفين، بسبب الأوضاع الصعبة وغير المستقرة التي يمر بها اليمن، منذ عام 2011 وحتى اليوم، وهو أيضاً ما جعل إجراء انتخابات برلمانية جديدة أمراً مستحيلاً، على رغم انتهاء فترة البرلمان الحالي، الأمر الذي دفع القوى السياسية اليمنية إلى التوافق على التمديد للمجلس لمدة عامين». وقالت المصادر البرلمانية أن «النصاب القانوني لانعقاد جلسات البرلمان يتطلب حضور 137 نائباً، وهو العدد الذي يمثل نصف عدد الأعضاء الأحياء زائداً واحداً، ما يعني أن انعقاد الجلسات بنصاب مكتمل لا يزال في حاجة إلى انضمام 29 نائباً للنواب المؤيدين الشرعية الموجودين حالياً في المملكة العربية السعودية»، وأوضحت المصادر البرلمانية أن «النواب المنحازين لصف تحالف الانقلاب على السلطات الشرعية (الحوثي– صالح)، يعقدون جلساتهم في العاصمة اليمنية صنعاء بنصاب غير مكتمل، بهدف إثبات الوجود بغض النظر عن توافر النصاب من عدمه». ولفتت المصادر ذات إلى أن «عدد النواب الذين يحضرون جلسات البرلمان في صنعاء لا يتجاوز 88 نائباً، في حين لم يعلن بعد 77 نائباً موقفاً واضحاً ومنحازاً حتى اليوم لأي من الطرفين المتمثلين في السلطات الشرعية وتحالف الانقلاب»، وأكدت مصادر سياسية وبرلمانية متطابقة تحدثت إلى «الحياة» أن النواب الذين لم يعلنوا موقفهم بعد حتى اليوم «يتواصلون باستمرار مع زملائهم المؤيدين الشرعية، ومع قيادات عليا في الحكومة، ولديهم الاستعداد لتأييد الشرعية والمشاركة في جلسات البرلمان التي ستعقد في عدن، لكنهم لا يزالون يعبرون عن مخاوفهم من موقف السلطات الشرعية تجاههم مستقبلاً». وترى المصادر أن السلطات الشرعية ممثلة «بمؤسسة الرئاسة والحكومة فشلتا حتى الآن في كسب هؤلاء النواب الذين يترددون في تأييد الشرعية والانضمام إليها، خشية التخلي عنهم في منتصف الطريق، وبعد أن يكونوا قد أعلنوا موقفهم المؤيد لها»، مشيرة إلى أن مخاوف النواب تتعزز «نتيجة لتردد الشرعية في حسم كثير من القضايا، وضعفها الذي لا يزال حاضراً في ترسيخ دعائم مؤسسات الدولة، وتفعيل دورها في المناطق المحررة من الميليشيات، بخاصة المؤسسات الأمنية والقضائية، إضافة إلى تدني مستوى العمل الحكومي في إدارة الاقتصاد الوطني وتحفيز الموارد وترشيد الإنفاق». ودعت المصادر السياسية والبرلمانية السلطات الشرعية إلى تقديم «تطمينات حقيقية وصادقة للنواب الذين لم يحددوا موقفهم بعد، بسبب المخاوف التي تساورهم، وهي مخاوف منطقية وعقلانية، ويمكن الشرعية ممثلة بالرئيس هادي ورئيس الحكومة أحمد بن دغر تبديدها بكل سهولة، وإقناعهم بصواب انحيازهم إلى الشرعية التي يجب عليها معالجة السلبيات التي رافقت مهماتها خلال العامين الماضيين، وكانت السبب المباشر لتعثر جهود الحكومة في تثبيت أقدامها في المناطق المحررة من الوجود الحوثي، بالتالي تعزيز مداميك مؤسسات الدولة وتفعيل دورها لتجاوز آثار الحرب وتخفيف معاناة المواطنين». وعلى رغم انقسام أعضاء البرلمان اليمني بعد الانقلاب على السلطات الشرعية إلى فريقين أحدهما يدعم تحالف (الحوثي- صالح) والآخر انحاز إلى صف الشرعية، وعقد النواب المؤيدينالانقلاب جلساتهم في مقر البرلمان بالعاصمة صنعاء بنصاب غير مكتمل، إلا أن توافر النصاب القانوني لانعقاد جلسات المجلس في العاصمة الموقتة عدن، من شأنه وفق مراقبين أن «يسحب البساط من تحت أقدام النواب الداعمين الانقلاب على السلطات الشرعية، ويدعم ذلك المجتمع الدولي الذي لا يزال يرفض التعامل معهم أو الاعتراف بهم ككيان برلمان شرعي». ويرى المراقبون الذين تحدثوا إلى «الحياة» أن «التئام جلسات البرلمان في عدن يعزز دور مؤسسات الدولة في المناطق المحررة، ويجعلها مكتملة البناء من خلال وجود كل السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية، وسيحظى بدعم المجتمع الدولي الذي سيتعامل مع البرلمان ويدعم نشاطه وتحركاته الخارجية أيضاً، والتي ستمثل رافداً مهماً لمصلحة الشرعية وإنهاء الانقلاب»، ويؤكدون أن مجلس النواب في حال انعقاد جلساته في عدن «سيلعب دوراً فاعلاً في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها اليمن، بخاصة في الجانب الرقابي، ومعاونة السلطات التنفيذية، وإقرار السياسات والبرامج الحكومية والاتفاقات التي تبرمها في شتى المجالات». وكان البرلمان الحالي انتخب عام 2003 لولاية مدتها ست سنوات وفق الدستور اليمني الذي تم تعديله عام 2001، والذي قضى بتمديد فترة الرئاسة إلى سبع سنوات والبرلمان من أربع إلى ست سنوات تنتهي دستورياً في شهر نيسان (أبريل) من عام 2009، وأسفرت الحوارات التي أجريت بين حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، وتكتل أحزاب اللقاء المشترك المعارض، عن التمديد للبرلمان لعامين إضافيين، كان من المفترض أن تنتهي عام 2011، غير أن اشتعال الثورة الشبابية ضد نظام حكم صالح في شهر شباط (فبراير) من العام ذاته حال دون إجراء الانتخابات، وتم الاتفاق مجدداً على استمرار البرلمان في ممارسة مهماته بموجب المبادرة الخليجية. ويعد مجلس النواب الحالي الأطول عمراً في تاريخ البرلمان اليمني، فقد وصلت فترة العضوية للأعضاء الحاليين إلى 14 عاماً ونصف العام، بسبب صعوبة إجراء انتخابات جديدة في البلاد، ويقول أعضاء البرلمان أن عضويتهم لا تزال قانونية، استناداً إلى الحكم الدستوري المعمول به، والذي يقول أنه إذا تعذّرإجراء انتخابات برلمانية لأي سبب، يستمر مجلس النواب في أداء عمله ويعتبر شرعياً ما لم يتم إجراء انتخابات لاختيار مجلس جديد.