أتلقى من الملك عبدالله الثاني والملكة رانيا كل سنة بطاقة معايدة تضم صورة لهما مع أبنائهما، وقد رأيت على امتداد السنوات العشر الأخيرة الابنين والبنتين يكبرون حتى أصبح الأمير حسين، ولي العهد، في البطاقة الأخيرة التي تلقيتها في طول والده ووالدته أو أطول. ليس بيني وبين الملك والملكة أي علاقة شخصية غير هذه البطاقة، وأرجو من القارئ أن يتذكر هذه الكلمات وهو يكمل القراءة. سمعت، وأحداث مصر طاغية، عن بيان وجّهته شخصيات عشائرية أردنية الى الملك عبدالله الثاني، فطلبْتُ النص وقرأته وأعدت قراءته، وقد تملكني شعور امتزج فيه الغضب بالحزن. البيان وقعه 37 رجلاً (النساء في المطبخ أو غرفة النوم) وبعض أسماء الأسر معروف، أما أسماء الموقعين على البيان منها، فغير معروفة، أو انني لا أعرفها شخصياً. وفي حين أنني لا أدعي معرفة كاملة كافية وافية بالأردن، فإنني أزعم أن الأردن بلدي، ولي فيه ألف صديق، وقد أجريت من المقابلات الصحافية للملك حسين، رحمه الله، ما يزيد على أي مقابلات أجراها له صحافي غير أردني، كما أجريت مقابلة للملك عبدالله الثاني بعد تسلمه الملك، وأستطيع أن أسجل هنا أسماء أردنيين في الحكم وخارجه أعتبرهم أصدقاء شخصيين. أحاول أن أكون موضوعياً، رغم الغضب والحزن، فأقول إنني أوافق على إشارات البيان الى الفساد وضرورة محاربته ومحاسبة الفاسدين والمفسدين، كما أنني أرفض، كمواطن عربي، بيع الممتلكات العامة في الأردن وغيره. بعد ذلك أرفض كل شيء آخر في البيان، فالإناء يفيض بما فيه، والموقّعون هددوا الملك، وسجلوا ست مرات احتمال وصول «الطوفان التونسي والمصري» الى الأردن، وأساؤوا الى الملكة رانيا إساءات بالغة، وكرروا عبارات تتضمن مبالغات ممجوجة، مثل: شهداء الأردن الذين سقطوا نتيجة التعذيب والقمع... الفساد والعناد والاستبداد... كتم الأصوات والأنفاس... الإقصاء والتهميش والتخوين... بواليع لمال الشعب مصاصين لدمائه... هل هذا الكلام عن الأردن أم عراق صدام حسين؟ البيان يشير في فقرة حقيرة كموقّعيه الى السيدتين ليلى الطرابلسي وسوزان مبارك، ويقول: «إن ما فعلته ليلى وسوزان له شبيه بالأردن بما يفوقه داء وبلاء...». هو كلام سوقي كأصحابه ينفي عن قائليه صفة «شخصيات عشائرية»، فالعشائر سمتها الشهامة والخُلُق والأدب والتهذيب، وأنا أتحدث هنا تحديداً عن موقّعي البيان، وليس عن عشائر الأردن، عماد البلاد. ثم إنني أرفض أن يزج اسم السيدة سوزان مبارك في الموضوع، فهي أشرف من الموقّعين أفراداً ومجموعة. الملكة رانيا أعرفها في الأردن، وأعرفها أكثر في مؤتمرات دولية حول العالم، من أميركا الى أوروبا والوطن العربي، وهي من خيرة الناس، ونموذج للمرأة العربية المثقفة الراقية، مثل الشيخة موزة المسند والسيدة أسماء الأسد وغيرهما من قرينات القادة العرب. الملكة رانيا ترفع رأس الأردن في كل محفل دولي وموقّعو البيان يخفضونه. الملكة حسناء بقدر ما هي ذكية، مع شباب وتهذيب، فلا أراها تتحدث في مؤتمر إلا وأرى الناس مجتمعين حولها، فهي سفيرة لبلادها وللمرأة العربية في كل بلد، والقضايا التي ترفع لواءها تشمل حقوق المرأة والطفل، ومعالجة العنف المنزلي، ونشر التعليم والرعاية الصحية، وجهدها في هذه المجالات رائد وأعطى نتائج لا ينكرها سوى حاقد. ماذا يريد موقّعو البيان في المقابل؟ يريدون وظائف، فاعتراضهم على الفساد، وأنا لا أنكر وجوده، هو لشعورهم بأنهم لم يحصلوا على حصة (كافية) منه. هم طفيليون يريدون وظيفة ومرتباً ولا عمل، في بلد يفتقر الى الموارد الطبيعية. البيان يقول: «ونرفض تغريب الهوية العربية والإسلامية والعادات الأصيلة والتقاليد العريقة...». وبعد ذلك حديث عن ممارسات في الأردن وكأنه سدوم وعمورة، مع أنه بلد محافظ جداً. لا أحد يستطيع تغريب الهوية العربية والإسلامية، ويستحيل أن يكون هناك في القيادة الأردنية من يحاول، أما العادات الأصيلة والتقاليد العريقة، فهم خرجوا عنها بقلة أدبهم ومبالغاتهم. ثم ما هي هذه العادات والتقاليد؟ الأب يقتل بنته طعناً بسكين، أو الأخ يخنقها بيديه في جرائم «قلة شرف»، ويخرج من السجن بعد أشهر «بطلاً» تحتفي به العشيرة؟ أو هي أن يمثل الأردن في الخارج واحد منهم بشاربين وكشرة دائمة وثقل دم بالولادة ولغة سائقي تاكسي عمّان؟ هم يريدون أن يقمع الملك عبدالله الملكة رانيا كما يفعلون مع نسائهم وبناتهم، وهم من نوع الذين هتفوا في مباراة كرة قدم «طلّقها، طلّقها»، فعقولهم في أقدامهم. هل يريدون أن يزوجوا الملك عبدالله أم زعل، أو جروة، أو بزعة، أو حنيشي، أو غير ذلك من الأسماء التي أقرأها في إعلانات الوفيّات في الصحف الأردنية؟ الملك عبدالله الثاني والملكة رانيا يمثلان عصر التنوير، وموقّعو البيان يمثلون عصور الظلام. وأختتم من حيث بدأوا، فالبيان افتتح بآية من القرآن الكريم، وعندي آية نزلت في مثلهم. الملك والملكة والمواطن الأردني وأنا عرب، أما هم فشخصيات «عشائرية»، أي أعراب قال القرآن الكريم في مثلهم: «الأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر ألاّ يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله...». [email protected]