أثّرت التطورات المصرية الأخيرة في مواقف دول كثيرة. وتشعر الولاياتالمتحدة الأميركية والدول الأوروبية وإسرائيل بأنها الخاسر الأكبر في هذه التطورات. والدول هذه لم توفر جهداً لوقف التطورات لحماية مصالحها. وألهمت هذه التطورات الشارع العربي والإسلامي، وأصابت من إسرئيل مقتلاً. وثمة اعتقاد أن قادة الجيش المصري لعبوا دوراً مهماً في إدارة الأزمة بين المواطنين والنظام ممثلاً بالرئيس حسني مبارك، خصوصاً أن وزير الدفاع محمد حسين الطنطاوي كان في واشنطن قبل اربعة ايام من وقوع الأزمة. وشارك في اجتماع لجنة أميركية عليا ضمّت كبار المسوولين في الإدارة الأميركية. وأظهر طنطاوي حنكة كبيرة في التعامل مع المحتجين، وأعلن ان الجيش لا يريد مواجهة معهم، بل يريد الحفاظ على النظام العام. والموقف هذا أغضب الرئيس مبارك الذي أمر قيادة الشرطة بالتصدي للمتظاهرين. وانتهى تخلي مبارك عن صلاحياته لنائبه عمر سليمان بتحويل صلاحيات الرئيس الى المجلس العسكري وتخلي مبارك عن السلطة. وأصدر الجيش أربعة بيانات لطمأنة المواطنين علي الاستجابة لمطالبهم. فسقط الخيار الإسرائيلي، ومفاده تولي عمر سليمان السلطة بعد حسني مبارك، أمام الخيار الأميركي الذي دعا الي تولي الجيش السلطة وإدارة الأمور في مرحلة ما بعد حسني مبارك. والحق أن الجيش أتقن المسرحية السياسية من طريق الابتعاد عن محور «مبارك – سليمان – الشرطة وقوات الأمن»، ليحافظ علي تراث النظام السياسي. وتولى الجيش مهمة مصادرة أهداف الثورة الشعبية والابتعاد عن إطار «الاستقلال - الإسلام ومعاداة الدول الغربية». ومستبعد أن يرضي موقف الجيش المحتجين وأن يقتنعوا بالإنجازات الصورية. ويُعتقد أن في جعبة الإدارة الأميركية ستة خيارات، وهي الحفاظ علي مبارك، والتمسك بعمر سليمان، واللجوء الى الجيش، ودعم حكومة علمانية منتخبة، ودعم حكومة دينية مدجنة، وحكومة دينية معارضة للغرب. ويبدو أن الإدارة الأميركية أسقطت الخيارين الأوليين. وهي تستخدم الخيار الثالث، أي ورقة الجيش، لطي الاحتجاجات في ميدان التحرير. ولكن هل تبلغ مآربها من طريق الخيار هذا أم تضطر الى الانتقال الى الخيار الرابع. فالولاياتالمتحدة دعمت الأحزاب العلمانية المصرية في مواجهة الحركات الدينية الإسلامية. وأغلب الظن ألا يقف الشارع مكتوف الأيدي أمام العلمانيين وأن يواجههم بشعارات الله اكبر. واحتمال تأليف حكومة دينية معتدلة عسير. ويفترض الانتقال الي المرحلة الأخيرة، أي تشكيل حكومة دينية معارضة للغرب، الوقت الطويل. وأوضح محمد البرادعي ان الانتخابات الحرة والنزيهة لا يمكن تنظيمها قبل عام ونصف العام. ولا شك في أن الخيار السادس يناوئ المصالح الغربية. وأثره بالغ في تغيير الخريطة السياسية في المنطقة. وإذا أراد الشعب المصري بلوغ أهدافه، فيسعه تذليل الصعوبات والعثرات، وتقريب موعد الانتخابات من طريق التمسك بالوحدة وتعيين الاتجاهات الصحيحة. ونحن أمام نظام جديد في القاهرة مهما كانت الخيارات. والنظام هذه يعيد تعريف موقع مصر في الخريطة الإقليمية والدولية، ويغير علاقتها بالكيان الصهيوني من طريق رفع القيود عن الإسلاميين المصريين المفروضة منذ عهد الرئيس جمال عبدالناصر. واحتمال انتهاج الحكومة المصرية القادمة التعاليم الإسلامية والانتخابات مرجح. والنموذج هذا قريب من النموذج الإيراني، ويسعه العبور بالمنطقة الإسلامية من موالاة الغرب الى ضفة الاستقلال. ويواجه الكيان الصهيوني مرحلة شائكة تشبه تحديات واجهها أثناء الثورة الإسلامية في ايران التي وصفها بالزلزال الكبير. ويزعم قادة هذا الكيان أن تطورات الأوضاع في مصر «غير منفلتة العقال، ولن تؤثر في علاقات إسرائيل بالقاهرة. * معلق، عن «كيهان» الإيرانية، 14/2/2011، إعداد محمد صالح صدقيان