لئن كانت سوريا غائبة بنظامها ومعارضتها عن اجتماعات جامعة الدول العربية في شكل مريب، ولئن كان «الشعب السوري» -وفق تعبير المعارضة - غائباً عن مجلس الأمن الدولي بشكل معيب، فإن سوريا تحضر منذ اليوم، على الأقل، في مهرجان «كان» السينمائي، وهذه المرة من دون العرب جميعاً بفضل السينمائي السوري المعارض أسامة محمد الذي يعود الى المهرجان السينمائي العريق بعد غياب سنوات طويلة بفيلمه الجديد الذي حققه في الخارج ليقدم فيه ما يسميه «صورة ذاتية لسوريا» تحت عنوان «ماء فضّي اللون». فلحدّ علمنا هو الفيلم العربي الوحيد الذي يشارك في إحدى تظاهرات «كان» - إذا استثنينا فيلم «توبوكتو» للموريتاني عبد الرحمن سيساكو المحسوب عادة على السينما الفرانكوفونية - الذي يفتتح عروضه مساء اليوم ليستمر أحد عشر يوماً، أي أقلّ بيوم واحد عن المعتاد بسبب الانتخابات الأوروبية. لكن من الواضح منذ الآن ان هذه الانتخابات لا تشغل بال أحد في «كان» ولا في فرنسا كلها. وكذلك من الصعب القول إن الغياب العربي شبه التام عن «كان» يشغل بال كثر من بين الألوف الذين بدأوا منذ الأمس يتوافدون على المدينةالجنوبية الفرنسية الأنيقة ليملأوها صخباً بعد صمت شهور، ويستمتعوا بطقسها الجميل، آملين بأن يدوم هذا الطقس خلال الأيام المقبلة ولا يفعل ما فعله في العام الماضي حين انقلب جحيماً من المطر والعواصف ورمى كثراً من الضيوف في المستشفيات. إذاً لا يعبأ كثر لا بالأوروبيات ولا بغياب العرب، ولكن في المقابل ثمة غياب يشغل البال: غياب الأميركيين. إذ من جديد يبدو حضور هوليوود ضئيلاً، أفلاماً ضخمة ويافطات إعلانية وأموالاً وفيرة، بحيث يبدو وكأن الأميركيين ما عادوا يهتمون بالمهرجان الفرنسي العريق، اللهم إلا إذا استثنينا نخبتهم المثقفة و... بالطبع نجومهم. وعلى رأس هؤلاء، منذ ليلة الافتتاح مساء اليوم بالتأكيد نيكول كيدمان التي تحضر في شكل مزدوج: مرة بحسنها وأناقتها كضيفة أساسية، ومرة إذ تعير ملامحها وجمالها للأسطورة غريس كيلي في فيلم الافتتاح. فالحال ان كيدمان، فاتنة بدايات الألفية الثالثة تقوم بدور فاتنة الستينات الأسطورية غريس كيلي في فيلم «غريس أوف موناكو» الذي حققه الفرنسي أوليفييه دهان عن واحد من الأعوام الأخيرة من حياة غريس يوم كانت أميرة لموناكو قبل فترة من مقتلها المأسوي في حادث سيارة. وطبعاً لن ينشغل بال دهان ولا كيدمان بتوقع الفوز بجائزة ما، فالفيلم خارج المسابقة. أما ما هو داخلها فعدد لا بأس به من أعمال جديدة يميّزها هذه المرة، ومن جديد، كونها تحمل تواقيع بعض أكبر الكبار في السينما العالمية، وبعضهم يُنتظر جديده بلهفة منذ سنوات: من الإنكليزي مايك لي إلى الفرنسي أوليفييه السايس والتركي المبدع نوري بلجي جيلان ومن الكندي/الأرمني/المصري آتوم إيغويان الى كين لوتش وصولاً الى دافيد كروننبرغ واليابانية نوومي كافاسي والروسي اندريه زفياغنتسيف والفرنسي الكبير جان لوك غودار الذي يتجاوز ثمانيناته ليباري الأصغر منه سناً بفيلمه «التجريبي» الجديد «وداعاً للغة»... هؤلاء وغيرهم سيصنعون بدءاً من مساء اليوم، الحدث السينمائي الأكثر أهمية في العالم، المهرجان الذي بتنا نعرف جميعاً أنه يخلق التوجهات الجديدة في سينمات العالم ويعود مرة من جديد في اول صيف كل عام ليعرض جديداً حتى من إخراج بعض من كدنا نعتقدهم متقاعدين. ناهيك بأنه، وكما يفعل مساء اليوم، يعيد إلى التأنق والأبهة عصور النجوم والأساطير والجمال في امسيات تنسي الناس عموماً والفرنسيين خصوصاً، أن العالم يمر في واحدة من أفظع حقباته بؤساً ومرارة ومجازر وخيبات أمل «ربيعية»، لا شك في ان السينما، بعيداً من أبهات الأساطير والنجوم، تبقى أفضل من يصوّرها، وما على المرء للتأكد من هذا إلا أن يشاهد عروض هذه الدورة بعيداً من جمال نيكول كيدمان وزميلاتها اللواتي سيضئن الليلة سماء «كان» وأرضها.