قراءة موضوعية لظروف كل دولة في المنطقة، تدل الى أن سورية تحظى بعوامل استقرار متينة سواء بالسياسة الخارجية أو الوضع الاقتصادي. أولاً، تشكل السياسة الخارجية السورية تمثل نقطة قوة. من جهة، تحظى بشعبية واسعة استمرت عبر العقود، ومن جهة ثانية كانت دائماً انعكاساً شرعياً لإرادة السوريين خصوصاً ما يتعلق برفض السياسات الأميركية وإجراءات إسرائيل في المنطقة. وجاء الموقف السوري في رفض غزو العراق في عام 2003 مترافقاً مع دعم العراقيين الرافضين احتلالَه، نقطة إضافية في استمرار سياسة وطنية تحظى بأوسع دعم. وفي عام 2006، أسفر الاحتضان السوري المقاومة واثار الحرب في لبنان، عن نجاحات إضافية في الخيارات الخارجية. وبعد نجاح في الخروج من دائرة الضغوطات ومحاولات العزلة، حافظت سورية على دورها الطبيعي لتكون منصة البحث عن الحلول لكثير من الأزمات في المنطقة. وغالباً، ما يأتي مبعوثون ديبلوماسيون الى دمشق بحثاً عن رؤى لحلول لمشاكل المنطقة. وعودة السفير الأميركي بعد خمس سنوات، إشارة رمزية الى أن سورية كانت على صواب في خياراتها، إضافة الى فشل محاولات دفع لبنان الى ادارة ظهره لسورية والى خيارات مضادة لمصالح البلدين. هذه العوامل تشكل لدى السوريين بمختلف أطيافهم وخلفياتهم السياسية نقطة إجماع يمثلها الرئيس بشار الأسد بطريقة تتجاوز الحدود الجغرافية لسورية. يضاف الى ذلك، تحالف سوري مع قوى إقليمية صاعدة مثل تركيا وإيران يحقق توازناً في الخيارات بين البلدين، في وقت تتراجع خيارات اقليمية أخرى راهنت على «شرق أوسط جديد» من نوع آخر. ثانياً، تبنى الرئيس الأسد عملية الإصلاح منذ سنوات. وأدت تحديات إقليمية ودولية الى تغيير في الأولويات السورية. الحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001. والانتفاضة الفلسطينية مع تعثر عملية السلام ثم جمودها في الفترة الأخيرة بعد تشكيل حكومة يمينية برئاسة بنيامين نتانياهو في إسرائيل. الحرب على العراق وحربا إسرائيل في عام 2006 على لبنان وفي عام 2008 على قطاع غزة. حملة الضغوطات والتهديدات الخارجية. كانت الأولوية، بالنسبة الى السوريين، الحفاظ على الاستقرار. والنقطة التي كانت ضعفاً في مكان آخر، صارت نقطة قوة. إذ وقف عموم السوريين وراء عنوان: الوقوف ضد التهديد الخارجي. لكن ذلك، لم يوقف عملية الإصلاح وان كان غير اولوياته. فكانت الأولوية الثانية، هي للإصلاح الإداري والاقتصادي عبر إصدار الرئيس الأسد سلة من التشريعات والقوانين التي تؤدي في المستقبل الى توفير ظروف لأوسع مشاركة. ولعل من أهم الإصلاحات كان في قطاع التعليم، عبر تأسيس جامعات ومدارس خاصة على أساس مناهج تعليمية عصرية، تؤدي في العقد المقبل الى جيل متوائم مع متغيرات العالم. ولا يخرج عن هذا السياق، قانون الإعلام الذي سمح قبل بضع سنوات بتأسيس وسائل إعلام خاصة وفق آلية تدرجية للإصلاح. ويصدر حالياً عدد من المطبوعات والتلفزيونات والمواقع الإلكترونية السياسية وعشرات المطبوعات والإذاعات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، التي أدّت الى نوع من الحوار بين شرائح المجتمع. يترافق مع اندماج الشبيبة في العالم الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي. وظهرت سلفاً ملامح تفاعل الشباب في المجتمع. سيشهد هذا العام ثلاثة استحقاقات مهمة: انتخابات الإدارة المحلية، مجلس الشعب (البرلمان)، وانتخابات حزب «البعث». ويبدو واضحاً أن قانوناً جديداً لانتخابات الإدارة المحلية سيكون جاهزاً في المستقبل القريب استعداداً للانتخابات المحلية بالتزامن مع تعزيز اللامركزية في المحافظات والمدن لمزيد من الاستماع الى حاجات الناس. ولا شك أن انتخابات الإدارة المحلية، ستكون بوابة ستنعكس أيضاً في انتخابات البرلمان. ولا تخرج عن هذا السياق، العملية التي بدأت قبل أسابيع عبر حل فروع «البعث» في المحافظات واعتماد آلية جديدة للانتخابات تسمح بأكثر حد من التمثيلية لأعضائه وحاجات السوريين في مؤتمر الحزب المقرر في الفترة المستقبلية. ويضاف الى ذلك، ظهور إرادة سياسية واضحة بتفعيل دور المجتمع الأهلي عبر إقرار قانون جديد بعد حوار عميق بين معنيين، وتعزيز دور الجمعيات الأهلية في المشاركة في العمل الاجتماعي والتنمية الشاملة. ثالثاً، يبرز البعد الاقتصادي عاملاً أساسياً. إذ حقق الاقتصاد الكلي نتائج إيجابية في السنوات الماضية مع توقع ارتفاع نسبة النمو الى 5.5 في المئة في السنوات المقبلة. وتأسست بيئة تشريعية ل «اقتصاد السوق الاجتماعي» بدور إضافي للقطاع الخاص. كما طرحت سورية رؤية طموحة لدورها الاقتصادي الإقليمي عبر تعاون مع تركيا وإيران ولبنان والأردن ولدورها في المحيط الأوسع كرابط لخطوط نقل الغاز والنفط والطاقة. لكن في الوقت نفسه، هناك الكثير من التحديات تتضمن معالجة «البعد الاجتماعي» للعملية الاقتصادية عبر الحد من البطالة وخلق فرص عمل إضافية وتحديات بسبب الجفاف العالمي في بعض المناطق من البلاد. أي، الحفاظ على إيقاع هذه التحديات ضمن الحدود الممكنة. ويبدو مهماً، الحفاظ على الطبقة الوسطى وتوسيعها وفق المتغيرات الاقتصادية الحاصلة. هذه الأهداف، كانت ضمن الأمور التي وضعها معدو الخطة الخمسية الحادية عشرة منذ بداية العام الماضي، على أساس القناعة أن الحفاظ على المكتسبات الاجتماعية التي تحققت في العقود السابقة، التي تتعلق بأنماط مختلفة من الحماية والرعاية والخدمات الاجتماعية ومجانية التعليم والصحة والدعم الزراعي، كانت تتطلب إجراء الإصلاحات في السنوات السابقة. من هنا، تأتي الخطة، التي تغطي بين عامي 2011 و2015 ، في سياق أن «الحفاظ على الإنجازات وتعميقها يعنيان الاستمرار في الإصلاح» الاقتصادي بعدما أنجزت الخطة السابقة التحول الهيكلي الموضوع «نحو اقتصاد السوق الاجتماعي من ناحية المبدأ والهياكل والمؤسسات وتركيبة الناتج المحلي وتركيبة قوة العمل»، بحسب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية عبدالله الدردري. وتشير الأرقام الى ان 16 في المئة من اليد العاملة تعمل حالياً في القطاع الزراعي. ومن اصل 4400 بليون ليرة سورية (الدولار يساوي نحو 47 ليرة) رصدت في الخطة الحكومية، هناك نحو 700 بليون في القطاع الإنتاجي. وكان الدردري أوضح أن الإنفاق على الزراعة والري ارتفع من 260 بليون ليرة في السنوات الخمس الماضية الى اكثر من 404 بلايين ليرة في السنوات الخمس المقبلة، حيث يقام «صندوق دعم الزراعة» وتوسيع «صندوق التحول للري الحديث». وأعلن قبل أسبوعين عن «الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية» كأداة من أدوات الحماية الاجتماعية لمساعدة الأسر الأكثر احتياجاً. ويتوقع أن تستفيد 450 ألف أسرة، بكتلة مالية مقترحة تبلغ نحو 12 بليون ليرة سورية (نحو 250 مليون دولار). كما ستنفق الدولة نحو 700 بليون ليرة لتطوير رأس المال البشري والاجتماعي، حيث يذهب جزء كبير من ذلك في التعليم الأساسي بمعنى إيقاف اي تسرب ومكافحة الأمية وتطبيق المناهج التربوية الجديدة وربط كل مدارس سورية بشبكة الحاسوب والإنترنت وتأهيل المدرسين والانتقال بنوعية التعليم في أنحاء البلاد الى نوعية عالية. وتتضمن الخطة الخمسية الحادية عشرة، تحقيق نمو بنسبة ثلاثة في المئة في قوة العمل البالغة حالياً نحو خمسة ملايين من أصل نحو 22 مليون سوري، وخفض زيادة السكان من 2.4 الى 2.1 في الألف ومعدل البطالة الى 6.1 في المئة بدلاً من 8.1 في المئة وبناء 880 ألف وحدة سكنية ومعالجة السكن غير المنظم. وستكون في السنوات المقبلة، حصة الأجور الى الناتج المحلي نحو 40 في المئة بدلاً من 28 في المئة قبل سنوات و35 في المئة حالياً. * صحافي سوري من أسرة «الحياة»