بدأت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أخيراً، أعمال ترميم موقع المابيات الأثري، والذي يعد من أهم المواقع الإسلامية المبكرة جنوب مدينة العلا، ويعود تاريخه إلى العصرين الأموي والعباسي، وعُرف قديماً باسم «قرح». ويكتسب الموقع أهمية تاريخية نظراً لأن «قرح» ازدهرت خلال فترة ما قبل الإسلام، وأصبحت سوقاً تجارية مشهورة، وعدت من أسواق العرب المعروفة في الجاهلية، وبلغت درجة عالية من النمو والازدهار في العصر الإسلامي، حتى وصفها المقدسي في القرن الرابع الهجري بأنها «المدينة الثانية في الحجاز بعد مكةالمكرمة»، فيما وصفها الأصطخري بأنها «المدينة الرابعة بعد مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة واليمامة»، واستمرت كذلك إلى أواخر القرن السادس الهجري، ثم اختفت واختفى اسمها حتى من الذاكرة. وأشارت التنقيبات التي أجرتها وكالة الآثار والمتاحف في الموقع العام 1984، إلى كون «قرح» مدينة إسلامية كبيرة غنية بمكوناتها الأثرية والحضارية، فشوارعها ضيقة تفتح عليها دكاكين، ومنازل زينت واجهاتها بنقوش كتابية وأخرى جصية، على غرار طراز سامراء الشهير. وأسندت مهام التنقيب لاحقاً إلى جامعة الملك سعود، وفي الموسم الأول العام 1425ه تم تحديد شكل الموقع الأثري الذي يتكون من مجموعة من التلال الأثرية المتناثرة والمتباينة الارتفاعات التي تنتشر فوق مساحة من الأرض تحيط بها أسوار قديمة تحدد مساحة المنطقة، وتم الكشف عن سور المدينة الشمالي ووحدات ملاصقة له ممتدة باتجاه الوسط. ويحيط في الموقع سور ضخم من الطوب اللبن تغطى واجهاته الداخلية لياسة من الطين والجص، وتدعم جدرانه دعامات مستطيلة مشيدة من بلاطات الآجر المثلثة، وكشفت الحفريات أن سمكه يبلغ 1.5 متر وعمقه يصل لأكثر من 2.5 متر وترتفع أجزاؤه لأكثر من خمسة أمتار، ووصف المقدسي تحصينات المدينة، وذكر أنها محاطة بخندق وثلاثة أبواب مرتبطة بالأسوار. وعند الركن الشمالي الغربي لسور المدينة تقع قلعة الفقير التي بنيت على طريق الحج، وشيدت فوق جبل صغير مطل على المدينة، أساسات جدرانها من الحجارة الرملية كبيرة الحجم، بينما جدرانها العلوية من الطوب اللبن، وخارج أسوار المدينة وعند الطرف الشمالي الغربي لواجهة السور باتجاه القلعة يقع مبنى واحد كبير، تم تخصيصه لخدمة عابري الطريق من الحجاج والمعتمرين والمسافرين، وكان يطلق على هذا المبنى «الخان». فيما تم تسجيل مقبرة وحيدة في الموقع وخارج المدينة عند واجهة السور الشمالية، عثر فيها على شواهد قبور كتبت بالخط الكوفي. وخارج الأسوار شرق الموقع تم الكشف عن محراب مصلى العيد مشيد من الأحجار المغطاة بالجص، ورجح فريق البحث السعودي أنه كان يخدم الوافدين للمدينة بينما يخدم المصلى المدينة داخل السور. وعثر في شرق المدينة على بقايا قرية صغيرة، بها مخلفات حرق وبقايا أفران، لتكشف أن جميع المواد المستخدمة في البناء والفخاريات هي محلية الصنع داخل المدينة. وحددت الحفريات ملامح عمارة المدينة والمتمثلة في الأبراج، والأعمدة، والدعامات، والدرج، ومواد البناء، وبلاط الآجر المستخدم في تبليط الأرضيات، كذلك دراسة المعثورات من الفخار والزجاج والخزف المتنوع. فيما عثر في الموقع على مجموعة من النقوش الكتابية المدونة بالخط الكوفي، إضافة إلى نقش مكتوب بالخط النبطي.