بدأت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني تطوير وتأهيل موقع المابيات الأثري، في اطار برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة، وضمن مبادرة تأهيل المواقع الأثرية المدرجة في برنامج التحول الوطني، والتي بدأت مرحلتها الأولي مطلع العام الجاري 2017م، بتطوير وتأهيل 42 موقعاً. ويعد موقع المابيات الأثري الإسلامي من أهم المواقع الإسلامية المبكرة في شمال المملكة جنوب مدينة العلا، إذ يعود تاريخه إلى العصرين الأموي والعباسي، وعُرف قديماً باسم (قرح). ويكتسب الموقع أهمية تاريخية، نظراً لأن قرح ازدهرت خلال فترة ما قبل الإسلام، وأصبحت سوقاً تجارية مشهورة، وعدت من أسواق العرب المعروفة في الجاهلية، وبلغت درجة عالية من النمو والازدهار في العصر الإسلامي، حتى وصفها المقدسي في القرن الرابع الهجري بأنها المدينة الثانية في الحجاز بعد مكة. وقد أشارت التنقيبات التي أجرتها وكالة الآثار والمتاحف في الموقع عام 1984، إلى كون "قرح" مدينة إسلامية كبيرة غنية بمكوناتها الأثرية، والحضارية، فشوارعها ضيقة تفتح عليها دكاكين، ومنازل زينت واجهاتها بنقوش كتابية وأخرى جصية، تذكرنا بطراز سامراء الشهير. يحيط بالموقع سور ضخم من الطوب اللبن تغطى واجهاته الداخلية لياسةمن الطين والجص، وتدعم جدرانه دعامات مستطيلة مشيدة من بلاطات الآجر المثلثة، وكشفت الحفريات أن سمكه يبلغ 1.5 متر وعمقه يصل لأكثر من 2.5 متر وترتفع أجزاءه لأكثر من 5 أمتار، ووصف المقدسي تحصينات المدينة وذكر أنها محاطة بخندق و3 أبواب مرتبطة بالأسوار. وعند الركن الشمالي الغرب لسور المدينة تقع قلعة الفقير التي بنيت علىطريق الحج، والتي شيدت فوق جبل صغير مطل على المدينة، أساسات جدرانها من الحجارة الرملية كبيرة الحجم، بينما جدرانها العلوية من الطوب اللبن. وخارج أسوار المدينة وعند الطرف الشمالي الغربي لواجهة السور باتجاه القلعة يقع مبنى واحد كبير، تم تخصيصه لخدمة عابري طريق الحج من الحجاج والمعتمرين والمسافرين، هذا المبنى يطلق عليه "الخان". كما تم تسجيل مقبرة وحيدة في الموقع وخارج المدينة عند واجهة السور الشمالية، عثر فيها على شواهد قبور كتبت بالخط الكوفي. وخارج الأسوار شرق الموقع تم الكشف عن محراب مصلى العيد والمشيد من الأحجار المغطاة بالجص، ورجح فريق البحث السعودي أنه كان يخدم الوافدين للمدينة بينما المصلى الذي يخدم المدينة يقع داخل السور. وعثر في شرق المدينة على بقايا قرية صغيرة مساحتها 150 متر × 100 متر، وبها مخلفات حرق وبقايا أفران، لتكشف أن جميع المواد المستخدمة في البناء والفخاريات هي محلية الصنع داخل المدينة. وقد حددت الحفريات ملامح عمارة المدينة والمتمثلة في الأبراج، والأعمدة، والدعامات، والدرج، ومواد البناء، وبلاط الآجر المستخدم في تبليط الأرضيات، كذلك دراسة المعثورات من الفخار والزجاج والخزف المتنوع. كما عثر في الموقع على مجموعة من النقوش الكتابية المدونة بالخط الكوفي إضافة إلى نقش مكتوب بالخط النبطي.