أخيراً، وبفضل وسائل التكنولوجيا الحديثة أصبح الإعلام السلطة الرابعة، وبكل ما تعنيه هذه الكلمة من معانٍ، امتلك الجمهور وسيلة اتصالية وطوعها إعلامياً، فأصبح ما يحدث في أقصى أقاصي أي منطقة جغرافية معلوم ومعروف لدى الجميع. لم يعد بإمكان الحكومات، مهما كانت درجة «ديكتاتوريتها»، ومهما كانت قبضتها الحديدية، أن تخفي جرائمها وأخطاءها، فهناك عين إعلامية «متربصة» تكشف للكل ما تفعله. أتساءل ماذا لو كانت مظاهرات مصر في 25 تموز (يوليو) 1952؟ هل ستكون بدرجة التأثير نفسها؟ وهل سيقدم الرئيس جملة التنازلات التي قدمها؟ هل كانت ستغير شيئاً؟ قضايا كثيرة مرت مرور الكرام، وأبرزها حلبجة في العراق التي لم نعرف بها لولا أن هناك من أراد أن يكشف سترها، أما الآن فسلطة الكشف وإيصال الصورة لم تعد بيد القنوات الرسمية، فكل شاب في الشارع أضحى «كاميرا» متحركة وعيناً راصدة، وكل شخص أصبح بإمكانه أن يكون قناة تلفزيونية أو صحيفة متحركة. قررت قناة العربية الفضائية أن تطلق برنامج «أنا أرى» لعرض ما التقطه المشاهدون في الاحتجاجات المصرية، فانكب علىها مئات اللقطات، كثير منها لم تلتقطها كاميرات «العربية»، التي حرصت على إخلاء مسؤوليتها على لسان المذيع، الذي قال إنها لا تؤكد وقت تسجيلها، لكن الشاهد في البرنامج أن رجل الشارع العادي أصبح بإمكانه التأثير. ثورة شباب مصر هي نتاج طبيعي لتطور وسائل «الاتصال»، ولذلك فعلى الحكومات العربية، على وجه الخصوص، أن تغير أساليب تعاملها مع الإعلام، فنحن في عصر مختلف، وإذا لم تفتح الأبواب للإعلاميين ليقوموا بدورهم فسيقوم به رجل الشارع. كل شيء أضحى الآن موثقاً بالصوت والصورة، وإذا لم يكن هناك أفق إعلامي للنقاش بكل وضوح وصراحة، ووفق معطيات منطقية، فإن الشارع سيناقشه بطريقته، لذلك لم يعد من المجدي اتباع أساليب الحجب والمنع، لأن ذلك سيوحي للجميع بأن الحكومة التي تتبع مثل هذا الأسلوب «حجرية» متأخرة في إدراكها لظروف ووقائع وسائل الاتصال الحالي، وربما ستقول: «الآن فهمتكم»، كما قال الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بعد انفجار «الثورة التونسية». أخيراً، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما: «مصر لن ترجع إلى الوراء»، وهنا أقول بأن هذا الأمر لا ينطبق على مصر فقط بل على الجميع. [email protected]