يستغرب المتابع للشأن العربي هذه الأيام التحركات أو الانتفاضات الشعبية التي حدثت في تونس وانتقلت إلى مصر، والغريب في هذه الظاهرة الجديدة التي سوف يكون لها تأثيراتها القوية على المنطقة لأعوام طويلة مقبلة قد تكون في مصلحة الجماهير والشعوب العربية، أو العكس من ذلك. ما يحدث في عالمنا العربي الآن هو حركة جماهيرية للتغيير نعيشها للمرة الأولى، والبعض يطلق عليها ثورة، والبعض الآخر انتفاضة ضد الظلم والاستبداد والتطلع إلى الديموقراطية والعدالة. والغريب أن تلك الدول كانت تحكمها أنظمة أسست أحزاباً تطلق على نفسها بأنها ديموقراطية ويمارس في تلك الدول إشكالاً من العملية الديموقراطية. فهناك دساتير وانتخابات رئاسية وتشريعية ونقابات ومؤسسات مجتمع مدني، ولكن في كلتا الحالتين أصبح الفرد فوق تلك المؤسسات، وأصبحت تلك الأحزاب الحاكمة جزءاً من الدولة. بل في بعض الأحيان هي الدولة، ما يعني إقصاء القوى السياسية الأخرى والنخب من العمل السياسي مع الإبقاء على أشكال من تلك الأحزاب المعارضة، وصلت الحال لبعضها بالارتباط بالأنظمة الحاكمة هناك ما دفع بالجماهير بعدم الإيمان بأن أحزاب المعارضة تمثل طموحاتها وتطلعاتها ما أوصل الشعوب العربية في بعض تلك الأقطار إلى حال من الإحباط والابتعاد عن الشأن العام، ما أوجدت حالة غريبة من التفرد للحكم من بعض الأنظمة العربية، أما البقية من المؤسسات السياسية في الحكومة والمعارضة فقد تحولت إلى أدوات لخدمة السلطة، وكما حدث في إحدى تلك الدول أخيراً من انتخابات تشريعية كان المراقب يستطيع أن يلخص توق تلك الشعوب للمشاركة في تلك الانتخابات لاختيار ممثليه، أو على الأقل أن يكون له أصوات في المجالس النيابية، ولكن الأحزاب الحاكمة في بعض الدول العربية كانت لها إستراتيجية شرسة ضد المعارضة في تلك الانتخابات، تمثلت في إقصاء أحزاب المعارضة بشتى الوسائل وصلت إلى حد البلطجة في المراكز الانتخابية، ما قلص حظوظ فوز المعارضة إلى مستويات دنيا، مثل هذه الممارسات السياسية من الأحزاب الحاكمة، وتغييب الجماهير والاستفراد بالسلطة، ودخول رجال الأعمال إلى العمل السياسي، وتطويع أجهزة الدولة لخدمة مصالحهم، كل تلك العوامل زادت في الاحتقان السياسي والاجتماعي والاقتصادي في عالمنا العربي.وبسبب افتقار منطقتنا إلى ثقافة ديموقراطية حقيقية، فإننا قد مررنا بأزمات ولا زلنا نعيشها حتى الآن، خصوصاً بعد إحداث «11 أيلول (سبتمبر) ودخول قضايا الإرهاب وحركات الإسلام الراديكالى الذي أدخلنا في صراع مع العالم ومع بعضنا، مثل هذه الظروف ساعدت قي تشتت الجهود والرؤى للوصول إلى شكل من أشكال الاستقرار السياسي المؤسس على العدالة والحرية والديموقراطية. فالتطرف الإسلامي في عالمنا قضى على أية فرصة للتنمية السياسية الحقيقية، نعم الأنظمة العربية أو بعضها استغلت مفهوم الحرب على الإرهاب لكبح جماح التغيير في مجتمعاتنا. الخطر من الإرهاب كان حقيقياً في بعض مراحله، ولكن المؤلم أن جميع أشكال التغيير والتقدم السياسي الحقيقي ألغيت أو أوجلت بسبب القضاء على الإرهاب. وقد وقفت بعض الدول الغربية مع بعض انضم الشمولية في ما أطلق عليه مكافحة الإرهاب، والمعروف أن أميركا بشرت بعد إحداث ال11 من سبتمبر بشرق أوسط جديد، ولكن مشروعها أفلس في نشر الديموقراطية وحقوق الإنسان في عالمنا حتى احتلال دول عربية وإسلامية لم يحقق ما رفعته أميركا من إيجاد مثال ديموقراطي لشعوب المنطقة، بل إن العكس حصل، إذ ازداد الاحتقان المذهبي والإثني في عالمنا. إنا ممن يعتقدون أان العالم العربي وبسبب النسبة الكبيرة من سكانه من الشباب ،الذين حصلوا على قدر من المعرفة الجيدة والانفتاح على العالم الآخر المتقدم بجميع المجالات من خلال وسائل الاتصالات الحديثة، ومن خلال الإعلام الجديد، خصوصاً مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى تشكل ثقافة جديدة لدى تلك الفئات من عدم الخوف من أشكال السلطات المتعددة والمطالبة بحقوق صادقة لمجتمعاتهم، مثل إزالة الظلم والعدالة الاجتماعية والاقتصادية والديموقراطية الحقيقية.يمكن القول إن ما يحدث اليوم سيغير في دولنا وبشكل متفاوت من دولة إلى أخرى، وإن كان تأثيره أكثر بروزاً في الدول التي تدعي أنها جمهوريات، وهذا جزء من أسباب هذه الأزمة في قضايا التوريث والممانعة في بناء دولة المؤسسات، إضافة إلى أن ما يجرى وما سوف يقدم لنا من مخرجات فرصة عظيمة لجميع الأنظمة العربية بالقيام بإصلاحات حقيقية يكون الإصلاح السياسي على رأسها. [email protected]