شعرت بخزي شديد من الذي فعلته مع الملهوفتين... كنت قد عاهدت نفسي أن أعود إلى طبيعتي الكريمة وأنبذ تطبعي الجديد على الخوف. طبعي هو المبادرة إلى الخير، ومعاونة الناس، «وإغاثة الملهوف»، فكيف إذا كان الملهوف من «ربات الحجال» والتنانير، لكنّ بعض التجارب القاسية، وشيوع طاعون الحذر وحمّى الخوف في السنوات الأخيرة، جعلاني أعود إلى حصن قوقعة الحذر. ما زلت اذكر بأسى وخجل يقترب من العار رفضي التوقيع على عريضة قدمتها لي امرأة من المشردين «الهوم لس»، وأين؟ في اليابان! كانت تستجدي توقيعي وكأنه سيعمّر لها بيتاً! وأتذكر هربي من الشهادة على حادث سير لمصلحة سائق اعتقل بدلاً من سائق آخر كان هو المتسبب في قتل أم وولدها، استجار بي السائق المظلوم لكنني آثرت السلامة، ورفضت الشهادة. كانت قصص الشهود الشجعان الذين تحولوا إلى مساجين تملأ الأسماع. كنت أعيش على أنغام نشيد القرود الصينية: أسمع، أرى، أخرس. مثلي الأعلى: ألف كلمة شيطان أخرس معافى أحسن من «الله يرحمه». دخلت إلى العمارة، فوجدت صبيتين ترجوان جارتنا في الطابق الأرضي، لكنها أغلقت الباب في وجهيهما، قبل أن أستقل المصعد، بادرت إلى بذل فروسيتي... سألتهما، بطبعي، عن المشكلة، فقالت الثانية (اعتبرتها ثانية ترتيباً لأنها اقل جمالاً!): نحن... محصورتان. بادرت بحسن، ومحصورتان ونريد... بادرت بحسن نية فورية: تفضلوا عندنا. المرأتان جميلتان، صبيتان، زيهما ريفي مقصب، فيه أناقة، وإحداهما حسناء واضحة الجمال، تشبه ممثلة مصرية مشهورة. شقتي في الطابق السادس، أقلع المصعد بنا نحن الثلاثة، فلعب الفأر في عبّي؟ كنت قد قرأت عن حوادث سطو وسرقة غريبة وعجيبة ومن نساء تسللن بذرائع مختلفة إلى البيوت وعاينوها ثم دخلوا إليها، في الليل... من يدري قد تكونان مسلحتين؟ أو جاسوستين؟... قررت أن أعود إلى القوقعة. الفأر الذي لعب في عبّي يفترس اكبر القطط! وصل المصعد إلى الطابق فاعتذرت وأنا أفتش جيبي: عفواً... لقد نسيت المفتاح في المكتب. اضطرت الصبيتان إلى النزول، ولعلهما لم تصدقاني... تشاغلت بالحديث مع صديق في هاتفي الجوال زاعماً أنني قد نسيت المفتاح حتى أداري كذبتي بكذبة أخرى. تقهقرت الصبيتان من مدخل العمارة خاسرتين، فدخلت إلى شقتي. وراقبتهما من فوق الشرفة... وأنا أقنع نفسي بأن تصرفي صحيح، وأن مشيتهما مشية واثقة وليست مشية امرأتين محصورتين. لمَ لا يذهبان إلى الكراج القريب؟ أو إلى أي مطعم قريب؟ أحسنت التصرف. مرحى... اتصلت إحداهما بجوالها، بعد لحظات وقفت أمام «ريا وسكينة» سيارة فاخرة، غابتا في السيارة التي سرعان ما ابتلعها نهر السيارات. لكنها لا تزال تحت اجفاني حتى الآن!