إندونيسيا أكبر دولة مسلمة في العالم مع نمو سنوي يزيد على 6 في المئة. هذا الأرخبيل الغني بمصادره الطبيعية يتحول بسرعة ليغدو قوى صاعدة جديدة في جنوب شرقي آسيا. ولكن بأي ثمن وتحت أي ظروف؟ هذا ما يحاول الوثائقي «إندونيسيا: السلطة، الإسلام والديموقراطية» إلقاء الضوء عليه. فيلم الفرنسي فريدريك كومبان الذي عرضته محطة «آرتي» الفرنسية الألمانية، يرسم ملامح العملاق الآسيوي من دون الغوص فيها تماماً، ويجمّع كل المواضيع الشائكة في جزءين من 110 دقائق يخرج مشاهده بعدها وقد توضح له بعض الغموض، فيما ظلّ بعضه الآخر جرّاء كثرة الأحداث والشخصيات والأمكنة. الجزء الأول من هذا الفيلم الوثائقي يروي المسار المضطرب للبلاد من الاستعمار إلى الاستقلال وتجارب الديموقراطية الناشئة. تبدأ القصة في القرن السادس عشر، عندما تحولت أعين الأوروبيين إلى إندونيسيا الواقعة على طريق الحرير، لتجذب أولاً جشع التجار البرتغاليين ثم الهولنديين الذين استقروا فيها ونهبوا خيراتها بالكامل. لم يكترث المستعمر الهولندي لحال البلد ولم يكتفِ بهذا بل خدع أميرها «ديبو نيغورو» الذي ثار ضدهم في جافا ونفوه. ثم تابعوا قمع الحركات الاستقلالية بعنف، ما دفع الإندونيسيين إلى الترحيب بقدوم اليابانيين في الحرب العالمية الثانية علّه يخلصهم من نير الهولنديين. ومع هزيمة اليابان في الحرب، تحصل إندونيسيا على استقلالها وتتشكل الجمهورية مع سوكارنو. يستعيد الوثائقي هذه الفترة بالاستعانة بصور من الأرشيف ولقاءات مع محللين وسياسيين عاصروا مرحلة سوكارنو ويركز على مكانة أب الهوية الإندونيسية المعاصرة. لكن مع انشغال سوكارنو بالسياسة الخارجية وعدم الانحياز ولقاءات زعماء العالم تدب الفوضى منتصف الستينات في البلاد ويبدأ تدخل سوهارتو لطرد سوكارنو واستلام السلطة تدريجياً. وفيما بدا الجزء الأول واضحاً ومشوقاً، كان الجزء الثاني من الفيلم مخيباً مع تعقد تاريخ إندونيسيا ومعه بالتالي تسلسل الأحداث، وتشابكت المواضيع إلى درجة ضاع معها المشاهد بين أحداث جزر الأرخبيل (17500 جزيرة) وثوراتها وبين دور الإسلام في هذا البلد وعلاقته مع السياسة وبقيت المواضيع مشوشة في ذهنه. لكن اللافت في هذا الجزء هو علاقة التحالف بين سوهارتو والولايات المتحدة الأميركية للعمل معاً أمام تمدّد الشيوعية في آسيا والتي أدت إلى مذبحة الشيوعيين في البلد. مذبحة تبقى إلى اليوم علامة سوداء في تاريخ البلد، وأيضاً تبيان مدى الفساد والقمع في عهد الرئيس سوهارتو. ثم مع مرور الشريط سريعاً على حكام إندونيسيا بعد سقوط حكم سوهارتو «الفاسد» والحديث عن الخلافات التي تهدد الجمهورية الهشة، لم يتمكن الشريط من توضيح كيفية تعامل الحكام مع طبيعة البلد المسلم ولا تحليل مظاهر أسلمة المجتمع المتزايدة. وحين أشار إليها فسريعاً وللاستنتاج دائماً بأن إسلام إندونيسيا معتدل ومتسامح ومُسيطر عليه، من دون أن يعطي برهاناً على ذلك سوى بالقول إن مائتي «جهادي» فقط من أصل 200 مليون عدد سكان البلاد قد ذهبوا إلى الجهاد في سورية! ينجح الوثائقي في الحديث عن الماضي، في سرد التاريخ والتعريف بشخصيتي سوكارنو وسوهارتو وكشف إنجازات الأول ومساوئ الثاني، فيما لم يتمكن من التعامل مع حاضر البلاد ولم يفلح في توضيح صورة إندونيسيا المعاصرة.