بين ذعر وترقب ولحظات من الاستسلام للمجهول، عاشت طالبات جامعة الملك عبدالعزيز ساعات عصيبة لن ينسينها ماحيين. جابهن خلالها غضبة الماء، وصارعن أمل البقاء، تدفعهن رسائل الحب وحنين اللقاء، وتطمئنهن أصوات الشوق المبعوثة من الخارج حيث الأهل والخلان. حوار سريع أجرته «الحياة» مع السيدة الأولى التي كانت مرابطة على جبهة السكن الجامعي تحية ميمني يوم الكارثة، عبرت فيه عما عاشته مع الطالبات المحتجزات من لحظات الخوف الممزوجة بالأمل، وكشفت أسرار تلك الليلة التي لا يمكن لأحد أن يغيبها عن ذاكرة جدة. تقول ميمني: «لم تكن ليلةً طبيعية ولا يوماً عادياً، اختلفت ملامح كل شيء مذ فاجأتنا عند ظهر الأربعاء التحذيرات المنهالة علينا من كل أقسام الجامعة بضرورة إخلاء المبنى الجامعي وإخراج الطالبات من قاعات الامتحانات بأسرع وقت ممكن، فتغير الزمان والمكان اللذان نعرفهما إلى مكان وزمان غريبين موحشين». وتضيف: «لم تمض لحظات على التحذيرات حتى صار الجميع يهرول في كل اتجاه، وبلا أهداف واضحة، فالحيرة بلغت مبلغها من كل الموجودين بلا استثناء، طالبات وعضوات تدريس وموظفات جامعيات». وزادت: «استجمعنا رباطة جأشنا أنا وبعض زميلاتي وحاولنا جمع الطالبات والموظفات وعضوات التدريس، لنوجههن بأمان إلى حافلات النقل الخاص بالجامعة، لكن جهودنا سرعان ما أجهضت بنبأ تلقيناه من أكثر من مصدر، يؤكد أن كل الطرق المحيطة بنا مغلقة. قوة الأخبار والتحذيرات من الخروج جعلتنا نوقن أننا محاصرات، وأن لا سبيل لمغادرة المكان بأية وسيلة، فبدأ الهلع ينتاب الحاضرات وبدأ الهرج والفوضى يسيطران على المحتجزات داخل القاعة التي جمعنا فيها المحتجزات ومن لم يستطع المغادرة». «ولم تكن إلا لحظات»، تقول ميمني «حتى أوكلت لبنات السكن الجامعي والمسؤولات فيه مهمة فتح أبواب السكن الجامعي وخصوصاً الطوابق العليا لاستقبال المحتجزات. كان العدد ضخماً يصل إلى 1700 بين طالبة وموظفة وعضو تدريس. لكن خيار الانتقال إلى الطوابق العليا كان هو الأمل الوحيد مع انعدام وسيلة الخروج، لتجنب تسرب الماء إلى الطوابق السفلية من المبنى». وواصلت ميمني سرد لحظات المأساة بدقة توحي بنشوب أظفار تفاصيل ذلك اليوم في ذاكراتها: «فوجئنا بحالات إغماء، وتعب وإرهاق بين الطالبات، فقد كن مرهقات خائفات، وبعضهن لم يكن تناول الإفطار بعد، وتذكرنا حينها الجوع والعطش اللذين أصابا الجميع، فحاولنا توفير ما استطعنا من مواد غذائية ووجبات جاهزة ومختلفة، وقدمناها للطالبات ليبدأ الوضع في الاستقرار نوعاً ما، وتبدأ الأمور في الهدوء والاستقرار نسبياً» وحول نقص المواد الغذائية والوجبات الجاهزة، أكدت ميمني أنهن عانين في بادئ الأمر من ذلك، لكن عمادة الطلاب أسهمت في توفيرها وأحضروا نحو 700 وجبة مختلفة قدمت للطالبات بشكل جيد. وكشفت أن احتجاز الطالبات استمر لساعات الفجر الأولى من الخميس الماضي، مشيرة إلى أن الساعات التي قضتها الطالبات كانت عصيبة، ملؤها الدموع والشكوى والشوق للأهل، لكن طالبات السكن حاولن التخفيف من ذلك بالاندماج مع بقية الطالبات والموظفات، وكذلك وفرنا بطاقات اتصال ووزعناها عليهن جميعاً لتمكينهن بالاتصال بذويهن والاطمئنان عليهم وطمأنتهم أيضاً، وأسهم ذلك في قضاء ليلة جيدة بالنسبة لجميع الطالبات».