عام 2010 تقريباً دُعي محمد الغامدي من الملحن عبدالرحمن الجيلاني لحضور جلسة في ملتقى الساعاتي الفني الشهير الذي كان يستمع لأغلب التسجيلات الطربية التي تدور في جنباته من قبل. ما زال الغامدي يذكر أول معزوفة افتُتحت بها الجلسة «حب إيه» و«سألوني الناس» بعود عبدالرحمن الجيلاني وقانون بندر الشرف. ما زال يذكر عيسى الجهني وهو يتغنى برائعة الموسيقار محمد عبدالوهاب «مضناك جافاه مرقده»، ما زال يذكر الحفاوة التي استقبله بها المهندس عبدالصمد ساعاتي في منزله وسعيه الحثيث للوقوف على راحة الحضور. كانت هي المرة الأولى التي يلتقي فيها بأساتذة استمع لهم لسنوات عدة دون رؤيتهم، تلت تلك الجلسة جلسة أخرى لا تقل عنها جمالاً وطرباً، مما دعاه إلى التفكير باهتمام في مصير هذه التسجيلات «الطربية» إلى أين؟ عام 2011 اقترح على الأساتذة إنشاء قناة «طربية» خاصة بهذه الجلسات في مجلس عبدالصمد ساعاتي ومجلس عبدالرحمن الجيلاني، كانت هناك مخاوف من نجاح هذه القناة، كون الأسماء الموجودة أغلبها غير معروف في الوسط الفني الإعلامي، إلا أن ثقته فيما يقدمه الأساتذة - بحسب ما يحب مناداتهم به - من طرب أصيل جعله يُقدِم على الخطوة بشكل سريع، فأنشأ القناة باسم «صالون الفن». «الحياة» التقت الغامدي للحديث عن مشروعه الذي توهج الآن وأصبح مرجعاً معروفاً، يقول: «بدأت في رفع الأرشيف الموسيقي المُسجل قديماً للأستاذ عبدالرحمن الجيلاني ولمجلس المهندس عبدالصمد ساعاتي الذي تعود جلساته المسجلة إلى عام 2006، وحتى الآن لم أكمل رفع ربع الأرشيف، إضافة إلى رفع الجلسات التي أقيمت بعد إنشاء القناة، شيئاً فشيئاً بدأت القناة تُصبح معروفة على مستوى مجالس الطرب في جدة والأصدقاء الفنانين، وبدأت تحصد مشاهدات رفعت المعنويات قليلاً في اليوتيوب، مما جعلني أغير سياسة النشر في القناة من التسجيل الصوتي فقط إلى نشر الجلسات بشكل فيديو صوت وصورة مع عدم الإخلال بجودة الصوت». يواصل الغامدي: «هذه الخطوة كانت إحدى نقاط التحول في القناة إلى الأفضل، فبدأ الجمهور يرى ويسمع ماذا يحدث في هذه المجالس بعد أن كان يسمع فقط، بدأ جمهور القناة يعيش الأجواء التي نُعايشها في الجلسات أكثر مما مضى، مما زاد العلاقة الطربية بين أساتذة القناة الفنانين والجمهور». ويشير إلى أن مجالس الطرب في الحجاز كانت ولا زالت جزءاً لا يتجزأ من هويتهم الفنية، إذ تُقام الملتقيات الفنية بشكل دوري يكاد لا ينقطع.. وعلى رغم الزخم الفني الموجود في هذه الملتقيات، إلا أن مُخرجاتها السمعية غالباً تكون شبه معدومة، من هُنا جاءت فكرة إنشاء قناة «صالون الفن» على اليوتيوب، كي تكون مصدرا لعُشاق مجالس الطرب الأصيل بالاستمتاع بما يدور فيها من طرب. ويبين الغامدي أن أهم المجالس التي استمدت قناة «صالون الفن» منها تسجيلاتها هو مجلس المهندس عبدالصمد ساعاتي الذي احتوى مُعظم جلساته ومجلس عبدالرحمن الجيلاني، إضافة إلى الأعمال الخاصة لبعض فناني القناة والتعاونات الفنية بين رواد هذه المجالس من شُعراء وملحنين ومطربين، وتسجيل أعمال خاصة تشرفت القناة بإذاعتها للجمهور. إن جُل ما تُعنى به القناة - كما ذكر الغامدي - هو نقل الطرب الأصيل التي أحيته هذه المجالس وتجديد الموروث الموسيقي في السعودية وتحديداً في الحجاز، مثل لون الدانة والمجرور والمجس والصهبة والقْصيمي وغيرها، وأيضاً تقديم الروائع الخالدة لكبار المُطربين العرب، إضافة لتقديم الأصوات الطربية الواعدة. أخيراً بدأ الغامدي في تجديد بعض الأعمال الخالدة في أستوديوات بتوزيع جديد مثل أغنيتي طلال مداح «كل عام وأنتم بخير» بصوت العازف والملحن عبدالرحمن باحمدين، و«وعد» بصوت الفنانة سمية بعلبكي، كما سيحاول تجديد المزيد من الأغاني خارج الجلسات وإنتاج تعاونات تتم بين أساتذة هذه المجالس وروّادها. يذكر الغامدي أثناء حديثه ل«الحياة» باستمتاع أبرز الليالي «الطربية» التي ضمها مجلس الساعاتي الفني لبعض الأسماء المعروفة في الساحة الفنية مثل جلسة تكريم الموسيقار غازي علي، وجلسة تكريم الموسيقار سراج عمر، وجلسة الموسيقار المصري الراحل حلمي أمين، وجلسات الفنان طلال سلامة، وجلسة الفنانة اللبنانية سمية بعلبكي بحضور عبادي الجوهر، وجلسة الفنان محمد عمر، وأخيراً هذا الأسبوع جلسة الموسيقار اليمني الدكتور أحمد فتحي، والكثير من الجلسات التي لا تحصيها ذاكرته. كل هذا يتم بمجهودات فردية من أسرة الصالون على مر ست سنوات من التوثيق والنشر، ومع زيادة المشتركين وزيادة شُهرة القناة في الوسط الفني ليس السعودي فحسب بل والعربي، زادت المسؤولية من الناحية الفنية فأصبح الموسيقيون أشد انتقاءً لما يُقدمون للجمهور، وزادت أيضاً من الناحية التقنية فطورت طريقة التصوير وبث التسجيلات، واعتمدت أكثر من كاميرا للتصوير للخروج بنتيجة أفضل. يشير الغامدي علينا بعدد مشتركي قناته على «اليوتيوب» ويقول: «شيئاً فشيئاً كان الحلم يأتي حقيقة وأصبحت مقاطع القناة تتداول في شبكات التواصل الاجتماعي والواتساب بشكل أثلج صدري وصدور الفنانين. اليوم، بحمد الله قناة «صالون الفن» تعتبر من أبرز القنوات «الطربية» في اليوتيوب على مستوى العالم العربي، وتُتابع بشكل مستمر من جميع أنحاء العالم».