لم تنجح بعض الواقعية المستجدة، التي اتسم بها أخيراً الفريق الاقتصادي للرئيس الأميركي دونالد ترامب، في إقناع غالبية الخبراء والاقتصاديين الأميركيين بأن خطة ترامب قادرة على دفع النمو إلى معدل 3 في المئة سنوياً. وكان ترامب وعد أثناء حملته الانتخابية، بدفع النمو إلى معدل 4 في المئة سنوياً، النسبة التي لم تشهدها البلاد منذ ستينات القرن الماضي. وترتبط أهمية تقديم نسبة واقعية للنمو بالطروح الاقتصادية الأخرى لترامب، فاعتبار أن النمو سيسجل 3 في المئة سنوياً يسمح للفريق الرئاسي بتنفيذ اقتطاعات ضريبية واسعة، من دون التزام خفضات في الإنفاق، ومن دون أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع في العجز السنوي للموازنة. وفي الوقت ذاته، تفرض معدلات نمو أدنى ضرائب أعلى وإنفاقاً أقل، ضمن سياسة السعي إلى تقليص العجز، وربما تحقيق فائض، وهو وعد آخر من وعود ترامب الاقتصادية. ووفقاً لحسابات ترامب، المبنية على اعتبار أن الاقتصاد الأميركي سيحقق معدلات نمو نسبتها 3 في المئة سنوياً، سيتقلص عجز الموازنة الفيديرالية من 603 بلايين دولار سنوياً في شكل تدريجي، حتى ينقلب إلى فائض مقداره 16 بليون دولار بحلول عام 2027. ووفقاً للحسابات ذاتها، يتوقع فريق ترامب أن يتوسع حجم الاقتصاد الأميركي من نحو 20 تريليون دولار حالياً، إلى 30 تريليوناً عام 2027. ولكن مكتب موازنة الكونغرس، وهو هيئة مستقلة يرأسها اقتصادي معروف بتأييده الطروح الاقتصادية التي يتبناها حزب ترامب الجمهوري، نسف التوقعات الرئاسية عن بكرة أبيها، واعتبر أن نمو الناتج المحلي السنوي سيحافظ على نسبته الحالية البالغة 1.8 في المئة سنوياً. ويعني ذلك، وفقاً لحسابات المكتب المذكور، أن من المتوقع تقلص العجز السنوي للموازنة من 603 بلايين دولار سنوياً إلى 72 بليوناً، أي أن الخزينة ستراكم عجزاً قيمته 720 بليون دولار خلال 10 سنوات، من دون أن تنجح في تحقيق توازن أو فائض، وفقاً لوعود ترامب. وينعكس خفض نسبة النمو المتوقعة على واردات الخزينة الفيديرالية، فتنخفض 3.4 تريليون دولار خلال العقد المقبل، عن الواردات المتوقعة وفق موازنة فريق ترامب، الذي توقع أن تحقق الحكومة الفيديرالية عائدات ضريبية قيمتها 6.9 تريليون دولار. وواضح أن خفض نسبة النمو المتوقعة يعني أن مكتب الموازنة يتوقع أن يبلغ حجم الناتج المحلي الأميركي نحو 28 تريليون دولار بحلول عام 2027، أي أقل بنحو 3 تريليونات دولار عن توقعات الفريق الرئاسي. ولم تعجب توقعات مكتب الموازنة البيت الأبيض، فانبرى خبراء الرئيس الاقتصاديون للردّ على الردّ، وقالوا إن المكتب كان توقع إقبالاً كبيراً على انخراط الأميركيين في «قانون الرعاية الصحية» المعروف ب «أوباما كير»، إلا أن تلك التوقعات خابت. وقدم خبراء الرئيس خطأ توقعات المكتب للدلالة على أن توقعاته لا تصيب دائماً. ولكن بعيداً من السجال بين البيت الأبيض ومكتب الموازنة، وفي سياق مشابه، عقد «معهد بيترسون» للبحوث الاقتصادية ندوة شارك فيها عدد من الخبراء والمعنيين، حيث سجل شبه إجماع على أن الاقتصاد العالمي اجتاز الأزمة العالمية التي اندلعت عام 2008، وأنه ماض في النمو. وتوقع الخبراء نمواً ملحوظاً في الهند يتجاوز 7.5 في المئة العام المقبل، وفي منطقة الاتحاد الأوروبي بمعدل 1.8 في المئة. ولكن الخبراء أنفسهم توقعوا أن تعاني الصين من بعض الاهتزاز الذي يؤدي إلى تراجع النمو إلى 6.2 في المئة العام المقبل، وهو توقع قد لا يصيب، خصوصاً في ضوء تحقيق بكين نسب نمو تقارب 7 في المئة خلال العام، ما يتوافق مع الأهداف التي سبق أن حددتها الحكومة الصينية. وفي الولاياتالمتحدة، لم يتوقع الخبراء نمواً يصل إلى 3 في المئة سنوياً كما يزعم فريق ترامب الاقتصادي، بل توقعوا أن يصل إلى 2.2 في المئة العام المقبل، وهي نسبة أعلى قليلاً من المعدل السنوي للعقدين الماضيين، وأعلى في شكل طفيف مقارنة بتوقعات مكتب الموازنة. ومع الأخذ في الاعتبار نسبة النمو التي قدمها «معهد بيترسون» عن الاقتصاد الأميركي وسائر التوقعات الاقتصادية للعقد المقبل، يصبح من المتعذر أن تحقق الموازنة الفيديرالية عائدات ضريبية أو فائضاً سنوياً كالذي يتمسك به فريق ترامب، ما يشي بأن دراسات الفريق الرئاسي تتأثر أكثر بالواقع السياسي والوعود الانتخابية التي قدمها ترامب إلى مؤيديه، منها بالوقائع الاقتصادية أو إجماع الخبراء.