الوصف الذي يمكن المشاهد العربي أن يطلقه على ما يجرى في محطات التلفزة العربية، الفضائية والأرضية، المنشغلة بتغطية الأحداث التي تجرى في مصر هو «حرب القنوات». فالمعركة السلمية الى حد بعيد، لا يبدو أن رحاها تدور في ساحات القاهرة وشوارعها وكذلك في مدن مصرية أخرى فقط بل أيضاً على الشاشات العربية التي انقسمت إلى اثنين: قسم يوالي النظام، وقسم يؤيد التحركات الشعبية لئلا نقول يعارض النظام. فالقسم الأول لم يقتصر على الإعلام الرسمي المصري الذي لم يتحرر من سلطة النظام عليه، بل شمل وسائل إعلام عربية فضائية لها صفة المحطة الإخبارية، إنما بدا واضحاً من خلال متابعتها وتغطيتها أنها لم تكن مهنية تماماً لئلا نقول إنها لم تكن منصفة. والتلفزيونات التي دارت في هذا الفلك، ودخل معها بعض المحطات الذي طالما تخصص بالمسلسلات والمنوعات مؤازراً التلفزيون الرسمي المصري بنقل صورته وأخباره ومحلليه، كانت تختار ضيوفها ممن لهم ملاحظات ومواقف من التحركات الجارية والمندمجين فيها والمنظمين لها، وراحت تفتح لهم مجال بثها ليكرروا شعارات عمّرت عقوداً. وكذلك جعلت هذه المحطات أخبار السرقة و«البلطجة» التي حدثت غداة اندلاع الأحداث، الخبر الأول وراحت تبثه وتكرره وتضخّمه حتى يكاد المشاهد يظن أن هدف ما يجرى هو السرقة والبلطجة وان المتظاهرين بلطجيون وسارقون. ولكن حين عرضت تلك المحطات نفسها في اليوم التالي بضعة شبان قيل إنهم أوقفوا بتهمة السرقة، أدرك المشاهد أن الأمر خلاف ذلك، وأن هؤلاء الشبان أصبحوا في تلك اللحظة مجنياً عليهم من قبل التلفزيونات التي وافقت على إصدار الأحكام بحقهم وتنفيذها تشهيراً، من دون محاكمة. أما القسم الثاني فانساق كثيراً وراء الأحداث وراح يهاجم النظام علماً أن هذا الإعلام لا ينطق باسم المواطنين ولا يمكنه أن يكون مصرياً أكثر من المصريين أنفسهم. فضخّم الأمور بطريقة جعل المشاهد يعتقد أن النظام سيسقط في اليوم التالي ولن يبقى صامداً 10 أيام (حتى الآن). لكن النظام بقي قادراً على إصدار قرارات طاول بعضها هذا الإعلام وأوقف بثه كما راح يطلق المبادرة «الإصلاحية» تلو المبادرة علّه يقنع جمهور الملايين من الشعب المصري بأنه منحهم ما يطالبون بتحقيقه. وعلى رغم هذا الأداء الذي لم يكن مهنياً تماماً، فإن الجهد الذي يبذله الإعلام العربي كبير ويستحق التقدير مع الأخذ في الاعتبار أن بوصلة المهنية تضيع أحياناً في العواصف، لكن على هذا الإعلام أن يعيد بعد فراغه من مهامه الميدانية، النظر في التجربة وتقويم أدائه ليخلص إلى اعتماد نهج يعتمده في الملمات وبخاصة حين تكون داخل البيت، على أن يكون أساسها القاعدة القائلة إن الإعلام ناقل للحدث وليس صانعاً له.