بدا ظهور العداء الجامايكي أوساين بولت في لقاء «هرقليس» ال30 لألعاب القوى في موناكو ليل الجمعة مختلفاً، في إطار أمسيات «أم الألعاب» واحتفالاتها، وعلى بُعد أقل من أسبوعين من انطلاق بطولة العالم في لندن، مسرح وداع «البرق» للمنافسات وتفرّغه لأشياء أخرى، منها الاستمتاع بأجواء المسابقات من على المدرجات ومراقبة وجوه الجيل الصاعد وإنجازاته. إنه الموسم الأخير لبولت (30 سنة)، ويتضمّن ظهوراً مقنناً قوامه المشاركة في ثلاثة لقاءات (كينغستون، أوسترافا وموناكو)، وختاماً مسكاً في بطولة العالم. ومثلما أتم منافساته الأولمبية بذهب «بكين 2008» و «لندن 2012» و «ريو دي جانيرو 2016» داخلاً التاريخ، ها هو يتطلّع لتوقيع ذهبي في لندن، منجزاً خمس مشاركات مظفّرة في المونديال. أول من أمس وتحت أنظار الأمير ألبير الذي قدّم له درعاً تقديرية، وآلاف تدافعوا لالتقاط صوره أو الحصول على توقيعه، فاز بولت، صاحب الأرقام القياسية والأولمبية، بسباق ال100م وكسر حاجز ال10 ثوانٍ للمرة ال51، والأولى هذا الموسم (9,95 ثانية)، على رغم انطلاقة أقل من عادية، مطمئناً الجميع وفي مقدّمهم مدرّبه غلين مايلز، إلى أنه على الطريق الصحيح نحو اللقب العالمي. ويبدو بولت متحمّساً للتحدّي الكبير الذي ينتظره في لندن، ولو أن حزن وداع المنافسات بدأ يقلقه، لكنه تدرّب على أن يواجهه بواقعية وإصرار، كما يفيد وكيل أعماله ريكي سيمز، لأن لكل شيء نهاية، ف «لحظات الوداع ستمر وإن لم تكن عابرة، لكن الأجمل أنه سيخرج من سجن الشهرة الذي يحصي أنفاسه ويقيّد كثيراً من تحرّكاته». عموماً، لم يشكّل «العلامة الفارقة» في ألعاب القوى «قوة قاهرة» خلال اللقاءات الدولية، ولم يكن يسعى إلى ذلك كما كشف أخيراً، بل كان يترك تحضيراته تأخذ مجراها و «تنضج على نار هادئة» ليفعل فعله ويحسم الموقف بلا جدل، في منافسات بطولات العالم والدورات الأولمبية. فنادراً ما بلغ بولت قمة مستواه قبل استحقاق كبير، باستثناء مفاجأة تحطيمه الرقم القياسي العالمي في لقاء نيويورك عام 2008 (9,72 ث) قبل أن ينسخه في دورة بكين الأولمبية (9,69 ث). فهو يعتبر اللقاءات الدولية وجوائزها المغرية «مضمار تسخين» ومحطة على طريق التتويج الكبير، و «حصة تدريب على المسرح أمام الجمهور» فيُمتع ويستمتع ويؤدّي فصولاً من استعراضاته التي أنعشت ألعاب القوى المثقلة أخيراً بفضائح المنشطات. إنه جانب من حلقات تحضيره الموسمي، ومن «أسراره» تحاشي مواجهة منافسيه المباشرين قبل أن يُكمل استعداداته، متظاهراً بأنه لا يعير نتائجهم وأوقاتهم أهمية، رافعاً نسب الترقّب والتشويق والإثارة إلى «ساعة الصفر»، أي إلى أن تحين مواعيد بطولات العالم والدورات الأولمبية (وهذا مناسب على الصعيد التسويقي). ودأب بولت، حين يكون متعافياً من الإصابات، على تمضية نحو 75 يوماً من موسم سباقاته في أوروبا، ولا يوافيه فيها مدرّبه مايلز إلا نادراً، لكنه يكون إلى جانبه أيام الاستحقاقات المفصلية. وكسر مايلز العُرف المتبع هذه السنة، فعاين عن كثب احتفالات بولت في موناكو، فالموسم استثنائي لا بل تاريخي. حتى أن وكيل أعماله احتفظ بالملصق الذي وضع على قميص السباق ويحمل اسمه للذكرى، على أمل بأن يحتفل الثلاثة معاً بعد أيام في لندن.