تختلج مشاعر الغضب الشديد صدور مليوني فلسطيني في قطاع غزة إزاء العدوان على المسجد الأقصى المبارك ومدينة القدسالمحتلة منذ زمن بعيد، خصوصا خلال الاسبوع الأخير الذي أعقب مقتل شرطييْن اسرائيليين، وتركيب بوابات الكترونية في مداخل أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. لكن رغم مشاعر الألم والغضب والقهر والعجز، إلا أن فعل أو ردة فعل أهل غزة والفصائل والقوى الوطنية والاسلامية فيها لم تخرج عن حدود المألوف أو الروتيني المعتاد والمكرر. ووقع الغزيون في حيرة أو مأزق بين رغبتهم الجارفة في مساندة القدس وأهلها ومسجدها الأقصى الذي ترنو اليهما عيونهم كل يوم، وحذرهم الشديد إزاء رد الفعل الاسرائيلي المحتمل. ويرى بعضهم أن من واجبه المساهمة في معركة الدفاع عن القدس والأقصى حتى لو أدى ذلك الى شن اسرائيل حرباً رابعة على القطاع المحاصر اسرائيلياً منذ 11 عاماً، لذلك حض الأجنحة المسلحة، خصوصا «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، و «سرايا القدس»، الذراع العسكرية لحركة «الجهاد الاسلامي»، على «استخدام» سلاحهما المكدس في مخازن «قبل أن يصدأ». وانتقد ناشطون اكتفاء الفصائل، خصوصاً «حماس»، بإصدار بيانات الشجب والادانة، أو تنظيم تظاهرة هنا ومسيرة هناك إسناداً للأقصى والقدس. وطالبوها بإنهاء الانقسام والعمل مع الرئيس محمود عباس وبقية الفصائل على توحيد الصفوف من أجل مواجهة المخططات الاسرائيلية ومشروع التسوية السلمية في القدس وفلسطين. وسعى بعض الناشطين الى استفزاز «حماس» التي تسيطر على مقاليد الأمور في القطاع منذ أكثر من عشر سنوات، من خلال تعليقات تهكمية أو توجيه انتقادات لاذعة لها. وذهب بعضهم إلى ادعاء أن «حماس»، الحركة الاسلامية التي تتغنى بالإسلام والأقصى، «أشعلت» حروباً مع اسرائيل عندما اغتالت الأخيرة قادتها، لكنها «لا تحرك ساكناً» من أجل القدس والأقصى. وقال آخرون إن «حماس» لا تريد خوض حرب للدفاع عن المسجد الأعز على قلوب الفلسطينيين والعرب والمسلمين لأنها تريد أن تحافظ على نفسها وقد «استمرأت الحكم» الذي هو أعز عليها من المسجد وفلسطين. في المقابل، تطالب غالبية في الشارع الفلسطيني في القطاع الفصائل المسلحة ب «عدم جر» القطاع الى حرب مع اسرائيل سيدفعون ثمنها من «لحمهم ودمهم» بلا مقابل. ويسوق هؤلاء أدلة على كلامهم الذي يرون فيه «عين العقل»، من بينها أن القطاع لا يزال يعاني أهوال العدوان الذي شنته اسرائيل في مثل هذه الأيام من عام 2014 وانتهى في 26 آب (أغسطس) بعد 50 يوماً من القتل والتدمير على مدار الساعة. ويعتقد هؤلاء أيضاً، وهو ما يلقى تأييداً ملحوظاً على شبكات التواصل الاجتماعي، أنه لا يوجد في الوقت الراهن أي «غطاء» سياسي أو ديبلوماسي للحركة وسكان القطاع فلسطينياً وإقليمياً ودولياً. ويرى أصحاب هذا الرأي أن أي «تدخل عسكري» من قطاع غزة ضد اسرائيل قد يشكل «فرصة سانحة» تنتظرها الدولة العبرية والحكومة اليمينية المتطرفة برئاسة بنيامين نتانياهو «على أحر من الجمر»، وأن نتانياهو وحكومته سيسعدهم أن «يفتعل» أي فصيل حرباً مع اسرائيل أو أن تُطلق جهة، ولو كانت متعاونة مع أجهزتها الأمنية، صواريخ على اسرائيل لتتخذ من ذلك مبرراً لشن عدوان جديد على القطاع وحرف الأنظار عما يجري في القدس والأقصى. ويرى هؤلاء، وهو ما تراه أيضاً الفصائل في غزة، أن اسرائيل تسعى، وتنتظر «بفارغ الصبر»، اطلاق صواريخ أو تنفيذ أي عملية مؤلمة نسبياً لها على حدود القطاع كي تجد «ضالتها المنشودة» للخروج من مأزق «الاحتجاجات السلمية الشعبية» وقلقها مما يجري في القدس منذ أكثر من اسبوع. لكن الفصائل التي تعي هذه الأمور وتتابع وتدرس تطورات الأوضاع الميدانية والسياسية، أدارت بحكمة حتى الآن الأمور وتحكمت في ردود أفعالها، واكتفت بإصدار مواقف سياسية، ودعوات الى النفير العام والتعبير عن الغضب على الأرض من خلال مسيرات ومواجهات في مناطق التماس، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي من خلال أوسمة عدة، من بينها «اغضب للأقصى»، و «إلا الأقصى»، و «لا للبوابات» الإلكترونية... وغيرها.