تشكل خطة توسيع منطقة نفوذ قلقيلية في الضفة الغربية منفساً حيوياً لسكانها الفلسطينيين الذين يحاصرون داخل مساحة صغيرة، بعدما التهم جدار الفصل العنصري أراضيهم، وأحاط بلدتهم من ثلاث جهات. الخطة، وهي حق لأصحاب الأرض الأصليين، تحولت نزاعاً إسرائيلياً داخلياً نجح اليمين والمستوطنون من خلال ضغطهم على رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في تاجيل البت فيه، ليتحول فلسطينيو قلقيلية إلى رهينة للصراعات الإسرائيلية ومصالح نتانياهو وحلفائه من اليمين والمستوطنين. الحديث يجري عن خطة أعدت خريطتها الهيكلية عام 2013، وتم إيداعها في أيلول (سبتمبر) 2016 للمصادقة عليها من جانب المجلس الوزاري الأمني المصغر لحكومة إسرائيل، وهي إجراءات اتخذت كون قلقيلية، بلدة صغيرة تابعة للسلطة الفلسطينية (المنطقة A)، بينما تعتبر الأراضي المطلوب ضمها إليها (المنطقة C)، أي خاضعة بالكامل للاحتلال الإسرائيلي وفقاً لاتفاقات أوسلو الموقتة. وكل تصرف فيها يحتاج إلى قرار إسرائيلي. الخطة تضع تخطيطاً مستقبلياً لهذه البلدة الفلسطينية التي تعاني الحصار كبقية البلدات الفلسطينية المحاطة بجدار الفصل العنصري. عدد سكانها يتجاوز الخمسين ألفاً ويتوزعون على نحو عشرة آلاف عائلة والتوقعات تشير إلى ارتفاع هذا العدد بسبب التكاثر الطبيعي، إضافة إلى انتقال عائلات فلسطينية كثيرة من البلدات المحيطة للسكن في قلقيلية، بسبب موقعها وبعدها من التوترات ولانتقالها، بعد الخطة، إلى مدينة مزدهرة تضمن حياة اجتماعية ورفاهية أكثر من غيرها من البلدات الفلسطينية. المساحة المشمولة في الخطة تصل إلى 4428 دونماً، من بينها نحو 62 في المئة، أي 2679 دونماً للإسكان، والبقية لمناطق عامة، كمركز اجتماعي وآخر رياضي وغيرهما. وفي مركز الخطة بناء آلاف وحدات الإسكان على مدار 18 عاماً، وفي شكل تدريجي، بمعدل 280 وحدة في السنة. قلقيلية، المحاطة بجدار الفصل العنصري، هي أكثر المدن الفلسطينية اكتظاظاً في الضفة الغربية. وبموجب الخطة التي أشرف على إعدادها البروفيسور راسم خمايسة من فلسطينيي 48، سيُسمح للسلطة الفلسطينية بمضاعفة حجم المدينة من خلال توسيعها إلى أراضٍ تخضع حالياً للسيادة الإسرائيلية، في المنطقة المعروفة ب «المنطقة C» في الضفة الغربية. الخريطة التي عرضت للخطة تتناسب والتقديرات التي تشير إلى احتمال أن يصل عدد سكان قلقيلية حتى عام 2035 إلى 80 ألف نسمة تقريباً، وسيصل عدد الأفراد في كل عائلة في الحد المتوسط إلى 4.7 تقريباً. ووفق الخريطة، فإن نحو 12 في المئة من الأرض سيخصص لبناء «مساكن مميزة»، وفق ما أطلق عليها، أي تشمل ملاعب رياضية وحدائق ومباني زراعية. وسيتم تخصيص 577 دونماً لهذه المباني. كما سيتم تخصيص 1752 دونماً لإقامة «مساكن أ»، أي لإقامة مبان مؤلفة من طبقة واحدة، ونحو 350 دونماً لإقامة «مبانٍ ج» أي عمارات إسكانية. الاطلاع على الخريطة يكشف أن الخطة تشمل إقامة 14 ألف وحدة كحد أقصى لما يمكن بناؤه، إذا تم استغلال المنطقة كلها للمساكن المكتظة من دون مناطق عامة بتاتاً. ويشار في الخريطة إلى أن ما سمي «القدرة الحقيقية» أي عدد وحدات الإسكان الحقيقي سيصل حتى عام 2035 إلى 6.187 وحدة فقط، من بينها ألف وحدة إسكان قائمة وسيتم ترخيصها فقط. فور الكشف عن تفاصيل الخريطة خرج وزراء اليمين، من حزبي «البيت اليهودي» و «ليكود»، بحملة لإحباطها تحت ذريعة أن الإدارة المدنية، ولدى إيداعها الخريطة أمام المجلس الوزاري الأمني المصغر خدعتهم، إذ أوضحت أن الحديث كان عما سمّوه «شرعنة مبان قائمة»، فقط، ولا يشمل تفاصيل ما تضمنته الخريطة من بناء وحدات جديدة تتجاوز خمسة آلاف وحدة سكنية. وطرح معارضو المخطط ادعاءاتهم بأن توسيع بلدة كقلقيلية لا يعود بالمصلحة الأمنية على إسرائيل، حيث تعتبر البلدة الفلسطينية الأقرب لأكبر شوارع إسرائيل «6» الذي يشكل شرياناً حيوياً يربط الشمال بالمركز والجنوب. فقلقيلية تبعد مسافة مرمى حجر من مدينة كفار سابا، وغير بعيدة من مدينة كوخاف يائير. وقد طرح هؤلاء التخوف بأن توسيع قلقيلية وجعلها محفزاً لزيادة عدد السكان إلى ثمانين ألفاً سيساهم، فقط، في تقريب ما سمّاه الإسرائيليون «الإرهاب الفلسطيني إلى داخل إسرائيل». العصي والجزر وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، دخل في مواجهة مع وزراء «البيت اليهودي» و «ليكود» وغيرهم من الرافضين الخطة. فبالنسبة إليه خطة قلقيلية واحدة من المشاريع التي تفاخر بها عند عرضه خطة العصي والجزر تجاه الفلسطينيين والقائمة في الأساس كعقاب للبلدات الفلسطينية التي، وفق ليبرمان، يخرج منها منفذو عمليات مقابل مكافأة البلدات الفلسطينية التي لم يخرج منها منفذو عمليات ببناء مشاريع عمرانية. ووضع ليبرمان ثلاثة مبادئ لخطته هذه وهي: العصي والجزر، التحاور مع الجمهور الفلسطيني والمبدأ الثالث هو بناء قائمة لكل من يعدون مقربين من السلطة الفلسطينية أو «حماس». وقامت الأجهزة الأمنية بتقسيم الضفة إلى جزءين: الجزء الرئيسي، تم تحديده باللون الأخضر على الخريطة، ويشمل القرى والمدن التي لم ينطلق منها الفلسطينيون لتنفيذ عمليات. أما الجزء الأصغر، وهو موجود في منطقة الخليل جنوب الضفة، فتم تحديده باللون الأحمر والأصفر، وقلقيلية منه. المستوطنون ومعهم وزراء ونواب من اليمين رفضوا هذه الخطة، كما رفضوا قائمة تصاريح البناء للفلسطينيين في «المنطقة C». نتانياهو الذي بات أداة في أيدي اليمين والمستوطنين وافق بداية على الخطة لكنه سرعان ما تراجع، بل ورط نفسه لدى ادعائه بأنه لا يذكر ما عرض منها أمامه. هذا الموقف أحدث انقساماً بين نتانياهو ووزراء اليمين الرافضين الخطة، من جهة، وبين قائد أركان الجيش، غادي آيزنكوط والوزير ليبرمان ومسؤولين عسكريين آخرين، من جهة أخرى. بالنسبة إلى سكان قلقيلية ما سيحصلون عليه في الخطة هو مشروع يستحقونه، ليس فقط سكان البلدة بل كل البلدات الفلسطينية، وما تقدمه إسرائيل من مشاريع سواء لقلقيلية أم لغيرها ليس منّة من إسرائيل أو من وزير دفاعها، ليبرمان، فمن حقهم البناء والتطور وضمان حقوقهم واحتياجاتهم، على أرضهم وفي وطنهم. ليبرمان يخوض معركة الدفاع عن الخطة، بما لا يتناسب ونهج سياسته تجاه الفلسطينيين. فهو يدعي أن الهدف الأساسي منها هو حضّ السكان على ترك ما سمّاه «الإرهاب الفلسطيني». وفي رأيه، فإن خطة قلقيلية تساهم في تغيير نظرة الفلسطينيين إلى إسرائيل وسياستها الاحتلالية، علماً أن الأشهر الأخيرة التي أعقبت طرح خطة «العصي والجزر»، شهدت تنفيذ عمليات من جانب شبان من قلقيلية ضد أهداف إسرائيلية، وهو ما يؤكد أن الخطة تحمل في طياتها أهدافاً سياسية أيضاً. وينسجم هذا الموقف مع سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يريد دفع ما يسمى بالسلام الاقتصادي. نتانياهو الذي طلب تأجيل البحث في المشروع، إلى حين عودته من بودابست، قد لا يجد مكاناً لبحث القضية في «زحمة» الملفات التي تنتظره، بدءاً من الأوضاع المتوترة في القدس وحتى ملفات فساده، والغواصات بينها في شكل خاص. لكن اليمين سيواصل كل جهوده لإحباط هذا المشروع. وفي المقابل ليبرمان وقيادة الجيش سيواصلان جهودهما لضمان المصادقة على الخطة. التطورات التي شهدتها خطة قلقيلية قبل توجه نتانياهو إلى بودابست، والانقسام الداخلي، يشيران إلى أن رئيس الحكومة بات أكثر من أي وقت مضى خاضعاً لرغبات اليمين والمستوطنين وفقد السيطرة على تحديد اتجاه بوصلة سياسة حكومته. ازدهار المستوطنات ادعاءات كثيرة ومتناقضة رافقت مناقشة خطة توسيع قلقيلية، كما رافقت مخططات لبناء وحدات للفلسطينيين في «المنطقة C»، وهي متواضعة جداً أمام مشاريع الاستيطان في الضفة والقدس، ويُتوقع معارضتها وعدم خروجها إلى حيز التنفيذ. ففي مقابل هذا الرفض، اتسعت مشاريع البناء الاستيطاني، وكان آخرها بناء حي في القدس، أعلن عنه الخميس الفائت، في ذروة توتر الأوضاع في القدس. هذا المخطط يضم 1100 وحدة استيطانية، شمال شرقي القدس وسيساهم في اتساع حدود البناء في المدينة باتجاه الشرق وفي ربط الحي الاستيطاني نفيه يعقوب بمستوطنة «غيباع بنيامين» شرق جدار الفصل العنصري، وفي المقابل سيفصل بين التجمعات السكانية الفلسطينية، ويمنع التواصل بين أحياء القدسالشرقية والمشارف الجنوبية لمدينة رام الله. وعلى رغم عدم وجود أي ضائقة سكنية لليهود في القدس، إلا أن المشاريع متواصلة وبوتيرة عالية، وقد أكد وزير الإسكان يوآب غلانط أن سياسة وزارته تقضي بالشروع في البناء الاستيطاني في كل مكان بالمدينة المقدسة، وقال: «في القدس الكبرى، أهمية أمنية خاصة للتواصل الإسرائيلي من غوش عتصيون في الجنوب، وحتى عطروت في الشمال، ومن معاليه أدوميم في الشرق وحتى غفعات زئيف في الغرب»، وأوضح أن السياسة الإسرائيلية تهدف إلى تعزيز مكانة القدس وضمان أكثرية يهودية مطلقة فيها. وبموجب معطيات دائرة الإحصاء المركزية، فقد طرأ ارتفاع بنسبة 71.4 في المئة، في عدد وحدات الإسكان التي بدأت إسرائيل بناءها في المستوطنات، مقارنة بالفترة المقابلة من العام الماضي. ووفق المعطيات، فقد بدأ بين نيسان (أبريل) 2016 وآذار (مارس) 2017، بناء 2758 وحدة إسكان في الضفة، مقابل 1619 بين نيسان 2015 وآذار 2016. ومنذ بداية هذه السنة، بدأت إسرائيل بناء 344 وحدة إسكان في الضفة الغربية، إضافة إلى 839 وحدة بنيت بين تشرين الأول (أكتوبر) وكانون الأول (ديسمبر) من عام 2016، و478 وحدة بدأت ببنائها بين تموز (يوليو) وأيلول 2016، و1097 وحدة بدأت بناءها بين نيسان وحزيران (يونيو) 2016. وتم منذ بداية العام الحالي استكمال بناء 403 وحدات في الضفة. وكل هذا لم يكف المستوطنين الذين يحتجون على «ندرة تراخيص البناء التي تتم المصادقة عليها في المستوطنات»، على حد تعبير رئيس المجلس المحلي في بيت إيل، شاي ألون الذي اجتمع مع نتانياهو وطالبه بتسويق 114 وحدة إسكان والشروع ببنائها فوراً، وكذلك دفع خرائط بناء أخرى في المقابل. هذه السياسة التي تمارسها إسرائيل تجاه الفلسطينيين، في مقابل ما تقدمه للمستوطنات، تشير في شكل لا يقبل التأويل إلى أن نتانياهو الذي تقض مضاجعه ملفات الرشى المحيطة به، ماض في سياسة إرضاء المستوطنين، الذين باتوا يسيطرون على مركز حزبه «ليكود»، خشية أن يتراجع دعمهم له في مقابل التوقعات بالتفاف واسع حول الشخصية التي قد تشكل منافسة حقيقية معه، أبي غباي، والتي تشير تقديرات إلى إمكان نجاحه في تشكيل معسكر صهيوني واسع من شأنه أن يهدد مكانة نتانياهو وكرسي رئاسته.