أعلنت الهيئة العامة للكتاب في مصر تأجيل الدورة الجديدة لمعرض القاهرة للكتاب التي كان مقرراً افتتاحها في 29 كانون الثاني (يناير) الماضي لوقت يُعلن عنه لاحقاً، وبحسب ما تسفر عنه الظروف الراهنة. وجاء قرار التأجيل جراء التظاهرات التي شهدها الشارع المصري، وأدت الى تغييرات في الحياة السياسية المصرية ترافقت مع «فراغ أمني» لافت، جعل من الصعب إقامة المعرض في ظل هذه الظروف الصعبة والمعقدة. وأدى الأمر الى خسائر مالية فادحة سيتحملها الناشرون العرب والمصريون الذين كانوا أنهوا استعداداتهم للمعرض، كما أكد ل «الحياة» رئيس اتحاد الناشرين المصريين محمد رشاد، الذي قال إن «اجتماعاً رسمياً أُقيم السبت الماضي ضم الى ممثلي الاتحاد رئيس هيئة المعارض الدولية شريف سالم ورئيس هيئة الكتاب المنظمة للمعرض صابر عرب ومعاونيه، وانتهى الاجتماع الى بضعة إجراءات، في مقدمها تأجيل المعرض لأجل غير مسمى نظراً الى «غموض» الوضع السياسي والفراغ الأمني الذي سببته التظاهرات الأخيرة. وأعلن رشاد عن وجود مبادرات مشتركة بين اتحاد الناشرين المصريين والعرب لتحمل جزء من تكلفة إقامة الناشرين العرب حتى التوصل الى رؤية واضحة لمصير المعرض. ولفت رشاد الى ان من الصعب راهناً الوصول الى أرقام تحدد الخسائر المالية بدقة، لكن الأكيد ان الخسائر كبيرة، ولم تكن متوقعة حتى الأسبوع الذي شهد «مظاهرات الغضب». وقال رشاد إن قرار التأجيل جاء بعد انتهاء كل تجهيزات المعرض، سواء على صعيد إعداد الأجنحة، ووصول كتب دور النشر العربية وانتهاء إجراءات شحنها وترتيبها في الأجنحة، إضافة الى تكلفة إقامة الناشرين في القاهرة، وبعضهم جاء الى القاهرة آملاً بافتتاح المعرض. وبحسب رشاد، تشمل الخسائر المتوقعة التزامات الناشرين للمطابع وشركات استيراد الورق وكافة الجهات المرافقة لأعمال إعداد الكتاب وتجهيزه. وأوضح رئيس اتحاد الناشرين المصريين ان المعرض يغطي في العادة ما قيمته 40 في المئة من عائدات دور النشر السنوية عبر التعاقدات الإجمالية وصفقات تبادل الكتب وتوزيعها على الصعيد الإقليمي والدولي، وكانت هذه النسبة الكبيرة تمكّن الدور من تسيير أعمالها طوال العام. وعلاوة على تلك الأمور، يشير رشاد الى أن المعرض يمثل كذلك فرصة لاكتشاف كتّاب جدد والتعرف إلى اتجاهات القراء في شكل مباشر ومن دون وسطاء. وكشف رشاد ان الهيئة المنظمة للمعرض أكدت قدرتها على تأمين الكتب داخل قاعات العرض حتى انتهاء الأزمة الراهنة، عبر إدارات الأمن التابعة لها، على خلاف التعزيزات التي وفرتها القوات المسلحة ضمن خطتها لتأمين المرافق الحيوية في مصر. وأعلن رئيس اتحاد الناشرين المصريين ان الاتحاد، في حال إلغاء المعرض تماماً، سيتمكن من استرداد قيمة إيجار قاعات العرض التي سددت بالفعل للهيئة المنظمة. الناشرة فاطمة البودي (دار العين) قدّرت قيمة خسائرها من جراء تأجيل المعرض بنحو 40 ألف دولار تشمل صفقات البيع والتوزيع وتكلفة تجهيزات المعرض والتزاماتها إزاء مؤسسات الطباعة، لافتة الى أن معرض القاهرة للكتاب، بحكم موقع مصر ومكانتها، يمثل محطة مركزية لتبادل الكتب وعقد صفقات بين ناشرين وموزعين في كل أرجاء العالم، وهذه هي الخسارة الحقيقية التي يصعب تعويضها من أي معرض آخر. وانتقد الكاتب والناشر مكاوي سعيد (دار «الدار») الآليات التي لجأت إليها الهيئة المنظمة للمعرض منذ البداية، وهي أدت، كما قال، «الى استبعاد دور نشر ناجحة ومؤثرة من خريطته، بحجة ضيق المساحات التي خصصت للمعرض هذا العام. ويشير كذلك الى ان من الصعب إقامة المعرض في ظل الظروف الراهنة، وهي ظروف تتعلق بالأمن القومي المصري، والمؤكد ان اسباب التأجيل باتت مفهومة ومقبولة وتصعب المزايدة عليها». وتحدث الناشر السوري مجد حيدر («دار ورد»)، مؤكداً ان حجم الخسائر جراء تأجيل المعرض تقدر بنحو 50 ألف دولار لكل دار من الدور العربية الكبيرة ذات الرصيد في مصر، وذلك بسبب تكلفة شحن الكتب وإعادتها من دون بيع، إضافة الى تكلفة الإقامة والتنقلات من دون عائد يغطيها. وكشف حيدر، الذي غادر القاهرة بعد يومين من اتخاذ قرار تأجيل المعرض، عن صعوبة توقع إمكان استرداد الكتب أو سلامتها في ظل الفوضى والفراغ الأمني، مشيراً الى أن الأولوية في مصر كانت للحراك السياسي، وكان من الصعب وضع جدول اعمال مغاير. وأكد نائب رئيس هيئة الكتاب المنظمة للمعرض حلمي النمنم، أن الناشرين العرب والمصريين تفهموا أسباب التأجيل، واتخذت الهيئة إجراءات أمنية لتأمين الكتب بالتنسيق مع هيئة المعارض والقوات المسلحة التي تؤمّن المعرض باعتباره مرفقاً حيوياً من مرافق الدولة. وأشار النمنم الى ان المؤشرات تدل الى ان المعرض «شبه ملغى» ومن الصعب إقامته في ظل الظروف الراهنة. ولكن في حال التوصل الى «تسوية سياسية» تنهي الأزمة وتلغي حالة الفراغ الأمني، سيكون بالإمكان إقامة المعرض بدور النشر المصرية ومن خلال وكلاء يمثلون دور النشر العربية التي اضطر ممثلوها الى مغادرة القاهرة بسبب غموض الأوضاع وحالة الانفلات الأمني، الى جانب التزاماتهم بمواعيد المعارض العربية، وهي مواعيد دورية من شأنها ان تعوضهم نسبياً عن الخسائر الناجمة عن إلغاء المعرض أو تأجيله.