بقليل من الصبر وكثير من الجرأة، تحولت تجربة مصري في مطلع الثلاثينات من محاولة فاشلة لطبع إبداعاته الأدبية عيون ونشرها إلى نموذج أعمال رائد في مصر والشرق الأوسط في مجال النشر الإلكتروني. تستهدف منصة «كُتبنا» للنشر الإلكتروني على الإنترنت والهواتف الذكية، التي أسسها المصري محمد جمال عام 2015، فئة الكتاب الهواة والمبتدئين الذين يبحثون عن فرصة أولى لنشر أعمالهم بعدما يئسوا من وجودها لدى دور النشر التقليدية الكبرى أو حتى الصغرى. يقول جمال: «عانيت في محاولة نشر مجموعتي القصصية الأولى سواء مع دور النشر الكبيرة التي لا تتعامل سوى مع دائرة محدودة من الكتاب أو من دور النشر الصغيرة التي تستغل الشباب وترهقهم مادياً». ويضيف: «بعد ثورة 25 يناير 2011 أصبحت الفرصة مهيأة تماماً. الجميع يحملون هواتف ذكية ونسبة استخدام الإنترنت زادت في شكل كبير. ففكرت لماذا لا تكون لدينا منصة جديدة لنشر كل ما نريده إلكترونياً». وتمثل فئة الشبان خصوصاً من تتراوح أعمارهم بين 18 و34 سنة، الفئة الأكثر استهدافاً لدى منصة «كُتبنا» سواء على مستوى الكتاب أو مستوى القراء. ويمكن أي مؤلف مبتدئ نشر أعماله على المنصة من خلال إنشاء ملف خاص باسمه وتسديد اشتراك سنوي قيمته 200 جنيه (نحو 12 دولاراً) ينشر بعده أي عدد من الكتب من دون تدخل أو تعديل في المحتوى، ومن ثم تصبح مؤلفاته متاحة للقراء مجاناً. وتكتسب الأعمال المنشورة قيمة مادية يستفيد منها المؤلف وكذلك المنصة بعد قراءة 25 مستخدماً للمادة المنشورة، وحينها يصبح سعر الكتاب خمسة جنيهات مصرية فقط. وإذا بلغت عدد مرات القراءة 100 يصل سعر الكتاب إلى عشرة جنيهات، وهو أعلى سعر للكتاب في المنصة. ويحصل المؤلف على 60 في المئة من عائد شراء كتابه فيما تحصل منصة «كُتبنا» على 40 في المئة. وخلال عامين وبضعة أشهر وصل عدد الكتب المنشورة عبر المنصة إلى نحو 500 كتاب في شتى مجالات المعرفة لمؤلفين من مصر وتونس والمغرب ولبنان والسعودية، وأصبح لديها 20 ألف مشترك. وقال جمال (33 سنة) الذي تخرج في كلية الهندسة وأصدر حتى الآن نحو عشرة كتب باسمه «لم نصل بعد إلى مرحلة الربحية... نعتمد في دخلنا بالأساس على اشتراكات المؤلفين السنوية وعائدات شراء الكتب إضافة إلى بعض الخدمات الأخرى التي نقدمها لمستخدمي المنصة، مثل تنظيم حفلات التوقيع والتدقيق اللغوي وتصميم الأغلفة». وأرجع ذلك إلى انخفاض نسبة القراءة الإلكترونية في مصر مقارنة بمناطق أخرى من العالم. وقال إن النسبة تصل إلى خمسة في المئة مقابل 95 في المئة للقراءة الورقية، لكنه يرى أن هذا التوجه قابل للنمو والزيادة خلال السنوات القليلة المقبلة. طباعة على الطلب بعدما ثبتت منصة «كُتبنا» وجودها في مجال النشر الإلكتروني في مصر، وجدت أن فئة كبيرة من القراء لا تزال تفضل الكتب المطبوعة، كما اكتشف المؤلفون الجدد حاجتهم إلى وجود نسخة ورقية من أعمالهم لفتح آفاق أرحب لها. يقول جمال: «خضنا المرحلة الثانية من المشروع وهي النشر الورقي لكن بأسلوب حديث يطلق عليه «النشر حسب الطلب»، ومن خلاله نقدم للقارئ المادة المنشورة لدينا إلكترونياً في هيئة ورقية لكن بناء على أوامر شراء محددة». ويضيف: «نحن لسنا دار نشر حتى نطبع مئات أو آلاف النسخ، لكننا عقدنا شراكة مع مطبعة رقمية تقوم بطبع الكتب بناء على طلبات شراء مباشرة من الموقع وتتولى شركة خدمات نقل إيصال النسخة إلى القارئ خلال 72 ساعة». ويرى جمال أن هذه الطريقة الحديثة تلغي الكثير من الأعباء المالية التي ترفع سعر الكتب المطبوعة في شكل تقليدي، مثل كلفة شراء مخزن أو امتلاك شبكة نقل وتوزيع، كما أنها في النهاية آلية طباعة ذكية وصديقة للبيئة تحافظ على الورق ولا تهدره. وبالنسبة إلى المؤلفين، يفتح حصولهم على نسخة ورقية تحمل رقم إيداع مسجل يفتح أمامهم المجال للمشاركة في المسابقات والجوائز المحلية والإقليمية، كما يصبح بوسعهم إقامة حفلات توقيع خاصة والمشاركة في معارض الكتب في أي مكان. ومنذ بداية آذار (مارس) الماضي إلى منتصف الشهر الجاري، أتاحت منصة «كُتبنا» 12 كتاباً للطبع بطريقة الطلب المباشر، ومن المنتظر إضافة 20 كتاباً آخر إلى هذه الخدمة قريباً. ويدلل جمال على نجاح آلية الطباعة الجديدة في مصر بقوله: «هناك طلب كبير بالفعل على آلية الطباعة حسب الطلب. أدخل أحياناً مكتبات كبيرة فلا أجد إقبالاً على الشراء بينما لدينا طوال الوقت طلبات طباعة ربما تفوق الطلبات لدى مواقع أخرى تنشر لكتّاب ومؤلفين معروفين». وهو يطمح وفريق عمله المكون من خمسة أشخاص فقط إلى تحول المنصة في المستقبل إلى «وكيل أدبي»، وهو المفهوم الذي يرونه غائباً عن الساحة الأدبية المصرية. ويقول: «نطمح إلى بلوغ نموذج الوكيل الأدبي المتعارف عليه دولياً وفيه يتفرغ المبدع للكتابة فقط بينما نتولى نحن كل المراحل اللاحقة من نشر وتسويق للعمل وحتى تحويله إلى عمل سينمائي أو تلفزيوني». ويختم: «من يدري، قد تتحول منصة كُتبنا في المستقبل للإنتاج الفني ونحول منشوراتنا الإلكترونية إلى أعمال فنية مسموعة ومرئية».