لقاءٌ مفتوحٌ على جلستين، عقدَه مدير مكتبة الإسكندرية مصطفى الفقي، أخيراً، مع عدد كبير من المثقفين، مِن اتجاهاتٍ متباينة، للاستماع إلى مقترحاتهم في شأن دور المكتبة، في المستقبل، علماً أنه تولى إدارتها قبل نحو شهر خلفاً لإسماعيل سراج الدين، الذي أدارها منذ افتتاحها في العام 2002. استهلَ الفقي اللقاء الذي جاء تحت عنوان «حوار النخبة»، بقوله إن مكتبة الإسكندرية، «ستظل مركزاً للإبداع ومنبراً لِمَن لا منبر له». ومعروف أن «يونيسكو» فتحت باب الاكتتاب لإحياء مكتبة الإسكندرية، التي أنشأها البطالمة وزالت على أثر حريق هائل في العام 48 قبل الميلاد، من خلال «إعلان فيينا» في العام 1996، وجمعت لذلك الغرض 140 مليون دولار، وهي حالياً تضم أكبر قاعة اطلاع في العالم. وأشار الفقي، عقب عرض فيلم تسجيلي قصير عن إنجازات ال15 عاماً الماضية، إلى أن «ما تحقق مبهرٌ محلياً وإقليمياً ودولياً، وهو ما يستدعي الحفاظ عليه ومواجهة التحديات القائمة وإطلاق مبادرات جديدة». وأكد زعيم حزب «التجمع» اليساري رفعت السعيد من جانبه، الحاجة إلى دور أكبر للمكتبة في مواجهة ما سماه «تزييف المتأسلمين وعي الشباب»، فيما رأى الإعلامي مفيد فوزي أن المكتبة «يجب أن يكون لها صوت مباشر يساند جهود الدولة المصرية في محاربة التطرف». وقال عضو مجلس النواب (البرلمان) المصري سمير غطاس، إن على المكتبة مواصلة مهمة التنوير بالدفاع عن الحريات، والسعي الى تجديد دماء النخبة المصرية، ومواصلة المساهمة في جهود تجديد الخطاب الديني، ودحض الأفكار التي يستند إليها مرتكبو الأعمال الإرهابية. ويشار هنا إلى أن تقرير إنجازات المكتبة في العام الأخير، تضمنَ «مواصلة الجهد في برنامج مواجهة التطرف والإرهاب، إذ جرى تنظيم عدد من اللقاءات ومؤسسات شريكة على الصعيد العربي، وعقد مؤتمر في جامعة برمنغهام، تبعه عقد المؤتمر السنوي الثالث لمواجهة التطرف في منتصف كانون الثاني (يناير) الماضي، وجرى التواصل مع الأزهر الشريف، ودار الإفتاء، في مصر، لتنسيق الجهود في هذا الشأن، كما أن دورات الثقافة الإسلامية التي تنظمها المكتبة للشباب صحَّحت مفاهيم مغلوطة لديهم، خصوصاً في ما يتعلق بالهوية الوطنية». وخلال «حوار النخبة»، أكدت نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا في مصر سابقاً تهاني الجبالي، أهمية الانتباه إلى خطورة «غياب المشروع الثقافي العربي»، ورأى وزير الثقافة المصري السابق الناقد جابر عصفور أن الأولوية ينبغي أن تكون للاحتشاد في مواجهة «الإرهاب الديني»، وتأكيد «تنوع مصر الحضاري»، والانفتاح «من دون توجس» على الثقافات الأخرى. فيما ذهب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» السابق عبدالمنعم سعيد إلى أن المكتبة، «غير مؤهلة لأن تقوم بدور الحزب السياسي، فدورها هو إتاحة المعرفة وإنتاجها، بانفتاح دائم على التكنولوجيا». وشدد نائب بطريرك الأقباط الكاثوليك المطران يوحنا قلته على ضرورة أن تركز المكتبة على «قيمة الإنسان»، خصوصاً أن هناك «اتفاقاً بين الإسلام والمسيحية على أنه خليفة الله على الأرض»، معرباً عن قناعته بأنه لا صلة لتنظيم «داعش» بالإسلام، فالمنتمون إليه والمتعاطفون معه، «هم نتاج ظلم الحكام والتربية الخاطئة». واتفق عضو «المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان»، حافظ أبو سعدة مع الرأي القائل بأنه لا يمكن تعظيم دور المكتبة في القضايا السياسية أو الخلافات الداخلية، مشدداً على ضرورة ربط المكتبة بجوهر حقوق الإنسان، بما أنها جسر يربط مصر والمنطقة العربية بالعالم. وأشار مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية حسن أبو طالب إلى ضرورة أن تستفيد المحافظات المصرية كافة من أنشطة مكتبة الإسكندرية، على ألا تحصر ذاتها في قضايا النخبة، وأن توازن بين طبيعتها العالمية وانشغالها بما هو محلي، خصوصاً في ما يتعلق بدورها التنويري المأمول في ظل تفشي الأفكار الظلامية. ورفض القيادي السابق في «الجماعة الإسلامية» في مصر، ناجح إبراهيم تدخل المكتبة في السياسة، لأنها من الممكن أن تعصف بها، وعليها أن تهتم بالعلوم الإنسانية لأنها رحبة، وأن تبتعد من الأيديولوجية لتواصل الانفتاح على الآخر. وتحدث الأمين العام للمجلس الأعلى المصري للثقافة حاتم ربيع عن ضرورة تقييم الوضع الحالي للمكتبة، للوقوف على أوجه القصور ووضع آليات لتلافيها، «كما يجب تدشين مركز للتسامح والتنوير لمواجهة الأخبار المغلوطة، وتأسيس إدارة لرصد حركة المؤتمرات الثقافية، وإنشاء جائزة ثقافية عالمية تحمل اسم المكتبة». ودعا الأسقف العام، رئيس المركز الثقافي القبطي في الكنيسة الأرثوذكسية الأنبا أرميا، المكتبة إلى تنظيم صالون ثقافي يُبَثُ نشاطُه عبر قناة «سات مي»، التابعة للكنيسة نفسها، «وهي قناة يتابعها عددٌ كبيرٌ من المشاهدين في كندا وأستراليا وجنوب أفريقيا». وطالب أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة أحمد يوسف، المكتبة بالشراكة في مجال العمل الثقافي والفكري مع مؤسسات في عواصم متوسطية مثل بيروت والدار البيضاء. وأكد مطران الطائفة الأسقفية في مصر وشمال أفريقيا والقرن الأفريقي، منير حنا، ضرورة وضع خطة استراتيجية للمكتبة، مشيراً إلى اقتناعه بأن «الفكر هو الأساس»، وأن «مصر تحتاج الى حركة إصلاح فكري قبل الشروع في تجديد الخطاب الديني». واقترح رئيس تحرير «الأهرام ويكلي» القاهرية عزت إبراهيم تأسيس «جمعية زملاء مكتبة الإسكندرية» لتعظيم مواردها المالية، ومضاعفة مساهمتها في مجال الترجمة. وفي نهاية اللقاء أكد الفقي حرصه على النهوض بأمور عدة لمصلحة المكتبة، على الصعيدين المحلي والدولي، «بمشاركة النخبة وأفكارها المثمرة»، علماً أن المكتبة، تنظم سنوياً أكثر من 1400 حدث ثقافي، ويطرق العالم مواقعها الإلكترونية ما يزيد على بليون نقرة سنوياً، أكثر من نصفها من خارج مصر.