أخرج رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو معارضته اتفاق وقف النار في جنوب سورية الذي توصلت إليه الولاياتالمتحدةوروسيا خلال قمة العشرين في مدينة هامبورغ الألمانية إلى العلن بعد أن كانت معارضته ضمن مداولات هادئة في القنوات الديبلوماسية حين قال بعيد لقائه في باريس الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون إن إسرائيل تعارض اتفاق وقف النار في سورية «لأنه يديم الوجود الإيراني فيها»، مضيفاً بعد ذلك في ايجاز للصحافيين المرافقين أنه أبلغ ماكرون أن «إسرائيل تعارض الاتفاق في شكل جارف». وقال إن «حقيقة أن الاتفاق يُبعد ايران مسافة 20 كلم فقط عن الحدود مع إسرائيل يعزز الوجود الإيراني ويهدد مصالحنا الأمنية». وحاولت موسكو طمأنة إسرائيل على لسان وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي قال أمس إن روسيا وأميركا «ستقومان بكل ما تستطيعان من أجل توفير رد على الاحتياجات الأمنية لإسرائيل في إطار اتفاق وقف النار في جنوب سورية». واعتبرت أوساط سياسية إسرائيلية أن تصريح نتانياهو يكشف خلافات حقيقية بين إسرائيل وكل من أميركا وروسيا، واحتجاجاً إسرائيلياً على أن الدولتين لم تأخذا في اعتباراتهما القلق الإسرائيلي من الوجود الإيراني في سورية «ولم توافقا على مطلب إسرائيل باشتراط الاتفاق بإخراج القوات الشيعية من الأراضي السورية». ووفق مصدر سياسي رفيع المستوى تحدث إلى الصحافيين الإسرائيليين المرافقين (مرجح أنه نتانياهو نفسه) فإن «إسرائيل واعية لنوايا إيران التوسعية الجديّة في سورية، وأن طهران معنية ليس فقط بإرسال مستشارين إلى سورية إنما أيضاً إرسال قوات عسكرية كبيرة لإقامة قاعدتين بحرية وجوية تستخدمها الطائرات والسفن الإيرانية، وهذه خطوة تغير تماماً صورة الأوضاع في المنطقة»، مضيفاً أن «إسرائيل لن تسلّم بوضع كهذا». وأوضح نتانياهو أن إسرائيل أجرت في الأشهر الأخيرة اتصالات حثيثة مع روسياوالولاياتالمتحدة وأنه تحدث شخصياً إلى الرئيس فلاديمير بوتين وإلى وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون، وذلك لتوضيح أخطار وجود ايران في سورية. وأفادت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية بأنه منذ إعلان الاتفاق بل قبله واصلت إسرائيل اتصالاتها مع كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية في شأن الاتفاق وأنه في إطار هذه الاتصالات قام الموفد الأميركي الخاص لمحاربة «تنظيم داعش» برت ماكغورك والموفد الأميركي إلى سورية مايكل رتني بزيارة إسرائيل مرات عدة. وأضافت أن إسرائيل طرحت عليهما جملة مطالب وتحفظات على الاتفاق، وأوضحت أنها معنية بأن يضمن الاتفاق إبعاد إيران وحزب الله والميلشيات الشيعية عن خط الحدود مع إسرائيل والأردن وأن لا يسمح بأي تمركز للقوات الإيرانية في سورية. كما أوضحت إسرائيل للأميركيين أنها تتحفظ عن أن تناط مهمة فرض وقف النار في مناطق التهدئة بالقوات العسكرية الروسية وحدها. وأشارت «هآرتس» إلى أن نتانياهو أتصل مساء أول من أمس بتيلرسون وبحث معه هذه المسألة. وكان نتانياهو أعلن قبل أسبوعين أن بوتين وتيلرسون أبلغاه أنهما يتفهمان مواقف إسرائيل وأنهما سيأخذان مطالبها في اعتباراتهما «لكن مع وصول نسخة من الاتفاق إلى إسرائيل تبين أن مطالبها لم تؤخذ حقاً في الحسبان» كما نقلت الصحيفة عن مسؤول رفيع المستوى. وأضاف المسؤول أن «الاتفاق بصيغته الحالية سيء للغاية ولا يأخذ في الاعتبار أية مصلحة أمنية لإسرائيل بل يخلق وضعاً مقلقاً في جنوب سورية». وأشار إلى أن الاتفاق لم يتضمن حتى كلمة واحدة واضحة عن إيران وحزب الله أو الميليشات الشيعية في سورية. في موازاة ذلك، أوضحت الصحيفة أن نتانياهو طلب من الرئيس الفرنسي أن يمارس نفوذه على الحكومة اللبنانية في كل ما يتعلق بنشاط «حزب الله» في لبنان خصوصاً في الجنوب. كما طلب منه أن ينقل إلى الحكومة اللبنانية تحذير إسرائيل بأن عدداً من قادة «حماس» يعتزم النشاط في الأراضي اللبنانية. وقال نتانياهو للصحافيين إنه طلب من الرئيس ماكرون نقل رسائل واضحة وشديدة اللهجة إلى الحكومة في شأن تعزيز «حزب الله» نفوذه في لبنان مع أسلحة متطورة، «بعضها يريد إنتاجه في لبنان وآخر جلبه من سورية». وأضاف: «قلت للرئيس ماكرون إن هذا النشاط يزرع عملياً بذور صراع شديد بين إسرائيل ولبنان وأنه ينبغي على الحكومة اللبنانية تفادي اتخاذ خطوات تدفع نحو مثل هذا الصراع». وتعهدت روسيا بأن «تأخذ في الاعتبار مصالح إسرائيل» عند تطبيق اتفاق الهدنة في جنوب سورية، بالتعاون مع الولاياتالمتحدة. فيما تجنب مسؤولون روس التعليق على اعلان المعارضة السورية التوصل إلى وقف النار في القلمون لمدة شهرين. وعزت مصادر «التريث» الروسي، إلى انتظار رد من جانب النظام السوري. ولم يطل انتظار رد الفعل الروسي على اعلان نتانياهو رفض اتفاق هدنة الجنوب. وأكد لافروف أن موسكو وواشنطن «سوف تأخذان في الاعتبار مصالح اسرائيل». وشدد على أن «روسياوالولاياتالمتحدة سوف تفعلان كل ما يلزم لمراعاة مصالح اسرائيل، عند إنشاء مناطق خفض التوتر في الجنوب السوري». وكان لافروف أعلن قبل أيام، بدء التحرك لتطبيق الاتفاق، وقال إن روسياوالولاياتالمتحدة ستواصلان تحديد تفاصيل عمل منطقة خفض التوتر في جنوب غربي سورية، مشيراً إلى أنه تم، لهذا الغرض، اتخاذ القرار حول استخدام مركز المراقبة، الذي يجري إقامته من قبل روسياوالولاياتالمتحدة والأردن في عمّان. وشدد لافروف على أن هذا المركز سيكون على اتصال دائم مع فصائل المعارضة والقوات النظامية . في غضون ذلك انتقد العضو البارز في مجلس الفيديرالية (الشيوخ) الروسي أليكسي بوشكوف تصريحات نتانياهو. وقال إن الرفض الإسرائيلي لاتفاق وقف النار «ليس كافيا»، موضحاً أنه «إذا كانت اسرائيل ترفض في شكل قاطع اتفاق الهدنة فعليها أن تقدم بديلاً لوقف العنف في المنطقة، عليهم أن يقولوا ماذا سيقدمون، وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه اسرائيل؟ لأن الرفض ليس سياسة». على صعيد آخر، تجنبت موسكو التعليق أمس على اعلان «مجلس قيادة الثورة لمدينة جيرود» إنه «بعد انتهاء جلسة التفاوض بين اللجنة الموكلة للتفاوض عن مدن القلمون الشرقي والجانب الروسي والنظام باللواء 81، تم التوافق على وقف إطلاق النار». ولم يصدر تعليق على المستويين العسكري أو الديبلوماسي الروسي، لكن مصدراً ديبلوماسياً أبلغ «الحياة» أن موسكو «قد تفضل التريث لحين الحصول على موافقة الحكومة السورية على الاتفاق». لكن المصدر لم يستبعد أن تكون «الجهود الجارية حالياً تهدف إلى توسيع مساحة المناطق التي يتم التوصل فيها إلى اتفاقات محلية لوقف النار، مماثلة لاتفاق الهدنة في الجنوب السوري، وقال إن روسيا تشجع الأطراف على المضي في هذا الاتجاه وتعزيز المفاوضات بين القوى الناشطة في المناطق المختلفة والقوات الحكومية لتثبيت أوسع هدنة ممكنة. وكانت أطراف المعارضة السورية أعلنت أن لجنة التفاوض عن بلدات القلمون الشرقي توصلت إلى اتفاق مع الجانب الروسي، ينص على وقف إطلاق النار مدة شهرين، وإعادة تفعيل المستشفيات في المنطقة، وبحث ملف المعتقلين. وأوضح «المجلس» في بيان أمس أنه «من ضمن بنود الاتفاق إخراج السلاح الثقيل والمتوسط من المدن ومنع المظاهر المسلحة، وتفعيل المشافي وإدخال الدواء والمواد الطبية والخدمات كافة إلى المدن وعدم التضييق على الحواجز». إضافةً إلى «تشكيل لجنة مشتركة لبحث ملف المعتقلين والموظفين المفصولين، على أن تتم إدارة المدن من خلال مجلس محلي منتخب بصلاحيات كاملة». وكان اجتماع جرى في الفرع 227 في منطقة المزة وسط العاصمة دمشق، في الأيام القليلة الماضية، بين ممثلين عن جيرود وشخصيات من النظام السوري وروسيا. وأصدر «مجلس القيادة الثورية» للمدينة بيانًا، أكد فيه الموافقة المبدئية على بعض البنود، كتفعيل الدوائر الحكومية (أبرزها المستشفيات)، وإلغاء المظاهر المسلحة في المدينة وحصرها في الجبل. عقوبات أوروبية على علماء ومسؤولين عسكريين سوريين فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على 16 عالماً ومسؤولاً عسكرياً سورياً أمس، للاشتباه في تورطهم في هجوم كيماوي في شمال سورية أودى بحياة عشرات المدنيين في نيسان (أبريل) من هذا العام. وتتهم أجهزة استخبارات غربية حكومة الرئيس بشار الأسد بتنفيذ الهجوم قائلة إن مقاتلي المعارضة في المنطقة لا يمتلكون هذه القدرات. وذكرت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في حزيران (يونيو) أن السارين، وهو غاز أعصاب، استخدم في الهجوم. ونفى المسؤولون السوريون مراراً استخدام مواد سامة محظورة. وتستهدف العقوبات التي وافق عليها وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع في بروكسيل ثمانية علماء وثمانية من كبار المسؤولين العسكريين السوريين. وقال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون إن العقوبات تظهر تصميم أوروبا «على التصدي للمسؤولين عن الهجمات بأسلحة كيماوية». وذكر مجلس حكومات الاتحاد في بيان أنه بهذا يرتفع إلى 255 عدد الأشخاص المدرجين على لائحة عقوبات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالصراع في سورية. وتشمل العقوبات الحالية 67 شركة لها صلات بحكومة الأسد. وفرضت الولاياتالمتحدة عقوبات في الشهر نفسه الذي وقع فيه الهجوم على بلدة خان شيخون في محافظة إدلب وشملت العقوبات مئات الموظفين والعلماء في هيئة حكومية سورية يعتقد أنها تطور أسلحة كيماوية. وانضمت سورية إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية عام 2013 بموجب اتفاق روسي - أميركي لتتجنب تدخلاً عسكرياً خلال عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. وعلى رغم أنه ليس للاتحاد الأوروبي أي دور عسكري في الصراع فهو أكبر مانح للمساعدات وقال إنه لن يساهم في إعادة إعمار سورية إلى أن تبدأ عملية سلام تتضمن مرحلة انتقالية لا تشمل حكومة الأسد. لكن موقف الاتحاد الذي يضم 28 دولة من سورية تبدل بعدما انتهج الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون موقفاً مختلفاً عن الحكومة الفرنسية السابقة بقوله إنه لا يرى خليفة شرعياً للأسد ولم يعد يعتبر رحيله شرطاً مسبقاً لإنهاء الحرب.