فر آلاف السجناء من مختلف سجون مصر لينشروا الفوضى، وقبلها الرعب، في نفوس المصريين الذين باتوا ليلتهم في الشوارع لتأمين منازلهم وسط فراغ أمني «مريب» أثار تساؤلات وشكوكاً لدى المواطنين والمراقبين على السواء. وتوالت أمس أنباء عن فرار المسجونين من أكثر من سجن ومقتل لواء شرطة في سجن الفيوم ليزيد الرعب في النفوس بانتظار وصول هؤلاء الهاربين إلى مناطقهم. وتحدثت تقارير عن «مؤامرة» تورطت فيها قيادات أمنية لترسيخ حال الفوضى ونشر الرعب، بدليل فرار السجناء، فيما دافعت مصادر أمنية عن مؤسسة الشرطة، مؤكدة أن الضباط أجبروا على الانسحاب من مواقعهم تحت ضغط «الغضب الشعبي» لئلا يبطش بهم المحتجون. وخرج آلاف السجناء من سجون أبو زعبل والقناطر ووادي النطرون والفيوم والمنوفية وسجون مركزية أخرى، إضافة إلى المحبوسين احتياطياً على ذمة قضايا في سجون أقسام الشرطة التي باتت «خاوية على عروشها». وأكد ضابط في الشرطة ل «الحياة» إنه تلقى أمراً في الخامسة من مساء الجمعة بترك موقعه وقسم الشرطة الذي يخدم فيه هو وأفراده كافة. ونقلت وكالة «فرانس برس» أمس عن مصدر أمني أن هناك عشرات الجثث في الطرقات قرب سجن أبو زعبل حيث وقع تمرد وتم إطلاق نار اثناء فرار آلاف السجناء. ولم يستطع المصدر أن يوضح ملابسات سقوط هؤلاء الضحايا، مكتفياً بالقول انه «كان هناك إطلاق نار من داخل السجن وخارجه». وفي سجن وادى النطرون الواقع على الطريق الصحراوي بين القاهرة والإسكندرية، فرّ آلاف السجناء ليل السبت - الأحد بعد تمرد استولوا خلاله على أسلحة رجال الأمن. ويضم هذا السجن عدداً كبيراً من الإسلاميين المحتجزين فيه منذ سنوات، إضافة إلى بعض السجناء الجنائيين. وكان بين من خرجوا 34 من قادة وكوادر جماعة «الإخوان المسلمين» تم اعتقالهم الخميس الماضي، بحسب ما قال محامي الجماعة عبد المنعم عبد المقصود. وكانت الفوضى ضربت القاهرة وعواصم المدن مساء الجمعة، وخوت أقسام الشرطة فيها والنقاط الأمنية من عناصرها، لكن الأمور كانت مستقرة في المراكز والضواحي المترامية البعيدة عن العواصم حتى أمس، وفجأة انسحبت الشرطة منها هي الأخرى. وتحدث شهود عيان عن أن مواطنين تجمعوا أمام المقارّ الأمنية في هذه المناطق وطلبوا من الشرطة عدم ترك مواقعها والاستمرار في فرض الأمن، لكن ضباط الشرطة خلعوا بزاتهم الرسمية وترجلوا من مقارهم بلباس مدني مخلفين وراءهم عشرات ومئات من قطع السلاح وآلاف الطلقات النارية وكذلك آليات وعربات الشرطة التي باتت نهباً للمسجونين والبلطجية. وأثار هذا السيناريو تساؤلات وشكوكاً في تورط قيادات أمنية متنفذة في ترسيخ حال الفوضى، فإن كان بعضهم يمكنه تفهم اختفاء الشرطة من مناطق التظاهرات الحاشدة التي ضربت القاهرة وعواصم المدن، فلم يكن هناك مبرر لانسحابها من مختلف مناطق الجمهورية في شكل سريع ومفاجئ حتى من دون مهاجمتها في بعض المناطق. وظل متظاهرون يسعون طوال نهار أول من أمس إلى اقتحام مقر وزارة الداخلية في ميدان لاظوغلي في وسط القاهرة، حتى أحكم الجيش سيطرته على المنطقة أمس. ودافعت مصادر أمنية عن الشرطة، مؤكدة أن الانسحاب من المقار الأمنية تم بعد أن شعرت الشرطة بأن الغاضبين سيفتكون بأفرادها ولتفادي مواجهة محتملة مع أفراد الشعب كانت ستودي بحياة المئات من الجانبين. وأوضحت ان فرار المحبوسين تم بسبب إرهاق قوات الشرطة في التصدي للتظاهرات التي تواصلت على مدى أربعة أيام واستنزاف طاقات الأمن في محاولة السيطرة عليها. لكن الشارع المصري يبدو غير مقتنع بهذه الرواية، فالأهالي كانوا يستغيثون بالشرطة لنجدتهم فلا يجدون مجيباً، وكأن الرسالة: «افقدوا الأمن لتعوا قيمته». وتحت عنوان «مؤامرة الامن لدعم سيناريو الفوضى»، ذكرت صحيفة «المصري اليوم المستقلة» أن «مسؤولاً أمنياً رفيع المستوى أصدر أوامره لجميع قطاعات وزارة الداخلية بإخلاء مواقعها والانسحاب من الشوارع والمقارّ ونقاط التفتيش والمرور وترك أقسام الشرطة». وأضافت أن «شهوداً كشفوا قيام عناصر أمنية بإحراق عدد من أقسام الشرطة». وأشارت الصحيفة إلى أن «هناك جهة أمنية تابعة لوزارة الداخلية فرضت كلمتها على خطة الوزارة وقررت الانسحاب ودعم سيناريو الفوضى وإطلاق سراح السجناء والبلطجية والمسجلين خطرين والمساعدة في أعمال التخريب والنهب عبر غض الطرف عنها». ونقلت عن المصدر أن «هناك روحاً انتقامية لدى عدد من القيادات الأمنية بعد الاحداث الدامية التي انتهت بانسحاب قوات الامن امس... وانسحاب شرطة المرور من الشارع جزء من سيناريو الفوضى الذي يتبناه عدد من قيادات الداخلية».