تتحدر الكاتبة الفيتنامية دونغ ثو هوونغ من عائلة شيوعية ناضلت في شمال فيتنام ضد الولاياتالمتحدة وفيتنام الجنوبية فترة الستينات من القرن الماضي. لكن وبعد سنوات على تحرر بلادها وانتصارها في الحرب التي امتدت لسنوات، بدأت كتابات الشابة الحزبية تسبب الازعاج للرفاق الذين رفضوا نقدها ونبشها في المسكوت عنه في اخطاء مسار الحزب والحكم معاً. تبعاً لذلك، منعت كتبها من التوزيع، ثم اعتقلت لثمانية اشهر اوائل تسعينات القرن الماضي وحُرمت من جواز سفرها، حتى هربت الى المنفى منحازة الى كتابتها وحرية تفكيرها. استقرت هوونغ في باريس عام 2006 وراحت تشتغل على رواية لن تعجب الرفاق أبداً بكشفها جزءاً من الماضي البعيد، وما فعله الحزب بالقائد «هو شي منه» الملقب ب «أبو الأمة»، عندما سلبه حبيبته وطفليه لتبقى صورته الرومانسية كرجل وهب نفسه للثورة الخالصة. الرواية وعنوانها «القمة»، صدرت اوائل هذا العام باللغة الفرنسية، اشترى الفيتناميون منها مئة الف نسخة الكترونية بعد منع طباعتها وتوزيعها في بلادهم، وتستعد احدى دور النشر الاميركية لاصدارها العام المقبل. بعد بحث استغرق 15 عاماً، توصلت هوونغ الى ان القائد الذي قاد شعبه وأجج فيهم الروح القومية منذ عام 1945 حتى وفاته، وقع في غرام امرأة تصغره بأربعين عاماً تُدعى شيوان. وكان ذلك في خمسينات القرن الماضي، وقد انجبت له طفلين، واغتيل الثلاثة في العام 1957 بأمر من الحزب لمنع القائد والعشيقة من الزواج. ضُربت العشيقة الشابة بقوة ورُميت في الشارع كي يبدو موتها وكأنه ناتج من حادث مروري، وشطب قادة الحزب من أدبياته كل ما له علاقة برومانسيات القائد المبجّل. وهكذا حمل «هو شي منه» ابن الثمانين المتعب الجسد، سره معه الى القبر بوفاته في الثاني من أيلول (سبتمبر) عام 1969، اليوم الموافق لذكرى استقلال فيتنام. لكن ما تكشفه الكاتبة ايضاً من ضمن مفاجآتها ان «أبا الأمة» مات منتحراً في هذا اليوم تحديداً، مستغلاً دلالته ليحتج على الحزب الفاسد وعلى ما يفعله على المستويين العام والخاص. ولأن رسالة الانتحار وصلت الى المعنيين بالأمر، فقد زيّف الرفاق يوم الوفاة وجعلوه الثالث من أيلول ليبعدوا الشك من أذهان شعبهم. تلخص سوزانا لي الوكيلة الادبية لهوونغ، الرواية بقولها، انها تمزج ما بين الادبي المتخيل والواقعي بمهنية عالية يصعب معها القول اين تتوقف الحياة الحقيقية لتفسح في المجال للأدب. انها الاولى من نوعها في فيتنام من حيث جرأتها على تفكيك شخصية «القائد» الذي صُممت صورته بحذر وعناية فائقة، مثل قديس، وتمت حمايتها طوال السنوات الماضية. كانت شخصية نادرة لقامة عالية في الحزب والوطن، شخصية «هو شي منه». وتقوم الرواية على ثلاثة خيوط سرد مختلفة ومتصلة معاً. وتكشف الحبكة عن بزوغ شاب صغير ليصل الى القيادة في الحزب ثم في الدولة، ليكون فقط دمية في ايدي الاساتذة تُستخدم للترويج لأيديولوجياتهم. دمية يتم التحكم بها دوماً ضمن الدور الذي رسم لها، وسيتم التخلص منها عندما تصبح عبئاً عليهم. تذكّر شخصيات هوونغ التي ترد في اعمالها، بشخصيات من اعمال كتّاب آخرين ناهضوا الشمولية مثل باسترناك وجورج اورويل. وتحفز هوونغ القارئ على التشكيك بالمسلّمات التاريخية التي فرضت عليه كحقائق، بينما تختفي خلفها في الواقع قلوب نابضة، عواطف ورغبات متضاربة حبست في شخصية اريد لها بكل جبن وخسّة، التفوق والسمو والطهرانية. تقول الكاتبة في حوارها مع وكالة الأنباء الفرنسية لمناسبة صدور الرواية، ان رفاق «هو شي منه»، فزعوا من فكرة تدمير سمات القديس لشخصيته كقائد للثورة، في حال سمحوا بالكشف عن حقيقة الرجل او عن مسار حياته الواقعية. «اذا كان الغرب يعشق الشباب، فإن شعوب آسيا تبجّل الشيوخ. ولم يكن يسمح لهذا الشيخ الرمز، بأن يكون عاشقاً وزوجاً يهدر طاقته مع امرأة من لحم ودم»! ولدت دونغ ثو هوونغ في ولاية «بينه» شمال فيتنام عام 1947، وانضمت الى الحزب في شبابها على خطى أسرتها، وحاربت القوات الاميركية، وقادت فرقة حزبية للشباب مهمتها الغناء بصوت عال للفيتناميين كي تغطي أصواتهم على أصوات القصف في الحرب! غير ان الكاتبة وبعد ان عاصرت فيتنام بعد الاستقلال ولاحظت الكثير من السلبيات في ممارسات الرفاق، بدأت تتحدث بجرأة في مؤتمرات الحزب ومنظمات الكتاب، وفي حواراتها الصحافية، منتقدة البيروقراطية، الفساد، و «جبن المثقفين الذين يعرفون ويصمتون»، مدافعة بشراسة عن حقوق الانسان في بلادها. وكانت روايتها الثالثة «جنة الاعمى» منعت من التوزيع بعد ان انتقدت فيها قوانين إصلاح الأراضي وما شابها من فساد في الاعوام ما بين 1953-1956. كذلك منع بعض السيناريوات التي كتبتها للسينما. وتقول نينا ماكفيرسون مترجمتها الى اللغة الانكليزية وكانت التقت بها اثناء حصولها على زمالة علمية في فيتنام لمدة عشرة أشهر أواخر التسعينات، ان الكاتبة وعلى رغم عملها آنذاك براتب مدفوع في استوديو هانوي للسينما، انتجت بنفسها وبدعم من مساندين فيتناميين للقضايا التي تتبناها، شريطاً وثائقياً عنوانه «مأوى لليأس»، كشفت فيه عن الاوضاع اللاإنسانية التي يعيشها حوالى سبعمئة مريض عقلي من المحاربين القدامى في فيتنام. وقد تم تدمير هذا الشريط لاحقاً وقبل تحميضه، على ايدي افراد من قوات الامن صبّوا عليه كمية من الاحماض للتخلص منه نهائياً. وبسبب مواقفها المناهضة لاستغلال السلطة والمؤيدة لحقوق الانسان بكل اطيافها، تحولت هوونغ، الرفيقة ومدللة الحزب في الماضي، الى «عدوة للشعب»، إذ لقّبها الرفاق الغاضبون ب «العاهرة العجوز». واعتقلت عام 1991 لتوضع في السجن مع المنبوذين والمجرمين، بعد ان طردت من الحزب الشيوعي الحاكم بالطبع. وبعد حملة عالمية من منظمات حقوق الانسان، خصوصاً في فرنسا وأميركا للتضامن مع قضيتها، اطلق سراحها وفرضت عليها الاقامة الجبرية، الى ان وصلت المضايقات حداً دفعها الى الهرب واللجوء الى فرنسا وهي تعد اليوم من اشهر الأدباء الفيتناميين. روايتها الأخيرة «القمة» مهداة الى صديقها ورفيقها المناهض للنظام الفيتنامي الشاعر لوو غوانغ فو، الذي، بحسب قولها، دُبرت له عملية اغتيال مع زوجته الشاعرة وابنه من خلال افتعال حادث سيارة عام 1988. «الكل يعلمون الحقيقة، والكل يعيش في ظل هذا التاريخ المزيف، ولكن المثقفين يديرون وجوههم الى الجهة الاخرى جبناً، وإنكاراً لما يحدث». أثناء اعتقالها وإقامتها الجبرية في هانوي، هُرّبت مخطوطات رواياتها الى الخارج لتطبع باللغتين الانكليزية والفرنسية. روايات مثل: «ذكريات النبع الصافي»، «رواية من دون اسم»، و «ارض لا أحد». وقد منحتها الحكومة الفرنسية جائزة ادبية برتبة فارس عام 1994، كما حصلت على جائزة من مؤسسة الأمير كلاوس. ورشحت رواياتها لجوائز عالمية عدة ووصلت الى القائمة القصيرة في عدد منها. تقول هوونغ انها ما عادت تهتم بالنشاط السياسي الآن، وتصف نفسها بالناشطة الديموقراطية التي تستخدم الانترنت كأحد اسلحة الديموقراطية في الزمن الحالي.