أخذ الجيش المصري أمس زمام المبادرة في التعاطي مع تداعيات الاحتجاجات الدامية المستمرة منذ خمسة أيام ضد حكم الرئيس حسني مبارك، إذ عُيّن رئيس الاستخبارات العامة الوزير عمر سليمان نائباً للرئيس، في حين كُلّف الفريق أحمد شفيق القائد السابق لسلاح الجو تشكيل حكومة جديدة خلفاً لحكومة الدكتور أحمد نظيف التي قدّمت استقالتها. وجاء هذا التطور السياسي في الوقت الذي سادت البلاد فوضى عارمة تمثلت بعمليات نهب منظم واعتداءات على الاملاك العامة والخاصة ومحاولات هروب من السجون واشتباكات مع قوى الشرطة ادت الى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى. ويعتقد بان تأثير التعيينات ستظهر اليوم، عبر تراجع حدة التظاهر وقف المحتجين لتحركاتهم، وعبر قدرة الجيش على الامساك بالوضع الامني ووضع حد للفلتان في الشارع. وأُعلن في الرياض أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أجرى فجر السبت اتصالاً بالرئيس حسني مبارك اطمأن خلاله على الأوضاع في مصر. وقال الملك عبدالله في الاتصال الهاتفي: «إن مصر العروبة والإسلام لا يتحمل الإنسان العربي والمسلم أن يعبث بأمنها واستقرارها بعض المندسّين باسم حرية التعبير بين جماهير مصر الشقيقة واستغلالهم لنفث أحقادهم تخريباً وترويعاً وحرقاً ونهباً ومحاولة إشعال الفتنة الخبيثة، والمملكة العربية السعودية شعباً وحكومة إذ تشجب ذلك وتدينه بقوة فإنها في نفس الوقت تقف بكل إمكاناتها مع حكومة مصر وشعبها الشقيق». وفي تعليق فوري على تعيين سليمان نائباً للرئيس، قال ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية إن الإدارة الأميركية عملت في السابق مع اللواء سليمان، لكنه أضاف أن الرئيس باراك أوباما الذي كان أجرى أول من أمس اتصالاً بمبارك قال إن «ما نحتاجه بدء حوار بين الحكومة المصرية والمواطنين ... للوصول إلى تغيير سياسي ومستقبل فيه حرية وعدالة أكبر للشعب المصري». ونقلت وكالة «رويترز» عن ناطق باسم البيت الابيض أن كبار المسؤولين الأميركيين، بينهم نائب الرئيس جو بايدن ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون شاركوا في اجتماع استمر ساعتين صباح أمس تناول الوضع في مصر. وأضاف الناطق أن الرئيس أوباما لم يحضر الاجتماع ولكن سيتم اطلاعه على أحدث التطورات من قبل موظفي الامن القومي في لاحقا. وتراهن السلطات المصرية، على ما يبدو، على أن الخطوات التي أقدم عليها الرئيس مبارك ستهدئ من غضب المحتجين الذي واصلوا حتى مساء أمس اعتصامهم في وسط القاهرة، رغم سريان حظر التجول وتحذير القوات المسلحة من مغبة عدم التقيد به. ولم يكن واضحاً إلى أي مدى سيستجيب المحتجون مع قرارات الرئيس المصري الذي عزز في شكل واضح موقع الجيش في هرم السلطة، خصوصاً من خلال تعيينه سليمان نائباً له في المنصب الذي ظل شاغراً على مدى الأعوام الثلاثين الماضية، وكذلك من خلال تعيين الفريق شفيق رئيساً للوزراء. وباشر الجيش مساء تنفيذ إجراءات مشددة لحفظ الأمن في البلاد بعدما اختفت قوات الشرطة كلياً التي صبّ المحتجون جام غضبهم عليها وعلى مقرات الحزب الوطني الحاكم التي أُحرق عدد كبير منها في كثير من مناطق البلاد بما في ذلك المقر الرئيسي في وسط القاهرة. ووجه ضابط كبير في الجيش في بيان قرأه عبر التلفزيون مع حلول المساء تحذيراً شديداً للذين يثيرون الشغب في الشوارع، مذكّراً بضرورة التزام إجراءات منع التجوّل ليلاً، مشيراً إلى أن الجيش سيتخذ إجراءات شديدة القسوة في حق المخالفين. وجاء تحذير الجيش في وقت عمّت الفوضى والسرقات وأعمال النهب كثيراً من المدن المصرية بل في قلب القاهرة في ظل غياب لافت لأي انتشار لقوات الأمن، باستثناء الجيش الذي كان جنوده يكتفون بتبادل أطراف الحديث مع المحتجين الذين اعتلى بعضهم المدرعات العسكرية وكتبوا عليها شعارات تدعو إلى سقوط النظام ورحيل الرئيس مبارك. وأفيد ليلاً أن المتحف الوطني في وسط القاهرة والذي يضم بعضاً من أهم الآثار العالمية تعرض لمحاولات سرقة عندما اقتحمه مجهولون في ظل الفوضى العارمة التي عمّت العاصمة. وأظهر لقطات مصوّرة جنوداً مدججين بالسلاح يجرون عمليات تفتيش في داخل المتحف، كما أُعلن عن اعتقال مجموعة من الذين اقتحموا المتحف وسرقوا أشياء غير محددة منه. وقال شهود إن ثمانية محتجين قتلوا أمس و17 آخرين أصيبوا برصاص الشرطة خلال محاولتهم اقتحام قسم الشرطة في مدينة ببا بمحافظة بني سويف جنوبي القاهرة. وقال شاهد إن محتجين أحرقوا مقر الحزب الوطني في مدينة بني سويف عاصمة المحافظة. في غضون ذلك، أعلنت مصادر رسمية أن أمين التنظيم في الحزب الوطني أحمد عز قدّم استقالته من منصبه وأن استقالته قد قُبلت، في مؤشر إلى تغييرات كبيرة ستُجرى في الحزب الحاكم. ويتهم معارضون عز، وهو بليونير معروف قريب من جمال مبارك نجل الرئيس المصري، بأنه متورط في شُبهات فساد وفي تزوير الانتخابات، وهي تهمة ينفيها القيادي السابق في «الوطني». وأوردت قناة «العربية» معلومات غير مؤكدة عن استقالة جمال مبارك من منصبه أميناً للسياسات في الحزب الوطني، في حين ذكرت محطة «الجزيرة» أن جمال مبارك وشقيقه علاء وصلا أمس مع عائليتهما إلى بريطانيا.