قد يكون مفاجئاً أن يحتل كتاب العالِم النفساني سيغموند فرويد «تفسير الأحلام»، المرتبة الثالثة في لائحة الكتب الأكثر مبيعاً في الصين على رغم مرور 118 عاماً على صدوره. وقد يفاجئ أيضاً حلول كتاب عالِم الآثار والأنتروبولوجيا الفرنسي غوستاف لوبون «سيكولوجية الجماهير»، المرتبة الخامسة بعد 122 عاماً على صدوره. هذا ما حمله التقرير الذي وزّعته شركة «أمازون» ونُشِر في مواقع عالمية وفي العدد الجديد من مجلة «بوكس» الفرنسية. ماذا تعني عودة القراء الصينيين متأخرين إلى كتب تنتمي إلى «كلاسيكية» الحداثة، لا سيما كتاب فرويد الذي خضع للنقد والنقاش طوال عقود؟ ربما لم يتأخّر الصينيون عن قراءة هذا الكتاب الأساس في علم النفس، فهو ما برح يجذب القراء في مقاربته العلمية الجريئة والسبّاقة لعالم اللاوعي وعلاقته بالأحلام. أما كتاب غوستاف لوبون فقد لا تبدو استعادته الصينية مستغربة في بلاد عرفت «السلطة الجبارة» للجماهير مع صعود الثورة الثقافية الشهيرة في ظل الحكم الماويّ. ولعل ما يبرر رواج هذا الكتاب «الرؤيوي» في الصين الآن، هو نظرة مؤلفه إلى الجماهير التي لا تعقل، كما يقول، والتي ترفض الأفكار أو تقبلها بصفتها كلاً واحداً، من دون أن تتحمّل تبعة مناقشتها، فما يقوله لها الزعماء يغزو عقلها سريعاً وتفسّره حركة وعملاً. وقد عاش الصينيون إبّان الحكم الماويّ الحالة الجماهيرية كما وصفها لوبون، قائلاً أن قدرتها على التفكير تنخفض، ويذوب في حسبانها، المغاير في المتجانس. وهذا ما أفضى بالصينيين خلال الثورة الثقافية إلى «عبادة» الزعيم، والخوف من بأسه، والإذعان لمشيئته. ولعل القرّاء الصينيين وجدوا في كتاب لوبون مرجعاً مهماً لقراءة ماضيهم القريب قراءة نقدية. ومن الكتب الرائجة، كتاب آخر يعود إلى القرن التاسع عشر هو «والدن أو الحياة في الغابات» الصادر عام 1854 للعالم والكاتب الأميركي الشهير هنري دافيد تورو. تُرى لماذا يجذب هذا الكتاب الكلاسيكي القراء الصينيين في صميم القرن الحادي والعشرين؟ الكتاب الأميركي هذا، الذي يتراوح بين الرواية والسيرة الذاتية والتأمُّل في الطبيعة علمياً وليس رومنطيقياً، يجد فيه مواطنو العصر الحديث ومنهم الصينيون، ملاذاً للرجوع إلى أصول الحياة الطبيعية، البسيطة والجميلة والهادئة، بعيداً من التلوُّث والضوضاء والاستهلاك والنزعات المادية. تنفتح الصين على العالم إذاً بالقراءة وليس فقط اقتصادياً وسياسياً وجغرافياً وعسكرياً... كتب جديدة من نوع «البست سلر» من أميركا واليابان تحتل أيضاً قائمة الأكثر مبيعاً: رواية الكاتب والإعلامي - التلفزيوني الياباني الشهير آيرا إيشيدا وعنوانها «الروائية المنعزلة» تحتل المرتبة الرابعة، ورواية الكاتبة الأميركية الشابة غابرييل زيفين (1977) «مكتبة الجزيرة» تحل في المرتبة الثامنة وهي رواية شعبية لقيت نجاحاً في أميركا وتسرد قصة رجل صاحب مكتبة يصادف وقائع غريبة... لكنّ الانفتاح الصيني شهد أيضاً رواج روايات صينية غير مألوفة سابقاً، بدأت تجد طريقها إلى النشر بعيداً من أعين الرقابة. والرواية التي تحتل المرتبة الأولى في القائمة هي «باسم الشعب» للكاتب زو ميزن، رواية سياسية وشعبية مثيرة تفتح صفحات مجهولة من ماضي السلطة وتكشف أركان الفساد في الصين الحديثة. ورواجها منحها طابع الاستفتاء الشعبي، خصوصاً في غمرة الحملة الرسمية المناهضة لرجال الشرطة الفاسدين وبعض كبار المسؤولين في الحزب الحاكم. رواية أشبه بتحقيق قائم على وقائع. وقال مؤلفها لصحيفة «شاينا ديلي» تعليقاً على رواجها المستمر: «سعيتُ فقط إلى كتابة الحقيقة». وأفادت الصحيفة القريبة من السلطة بأن «هاشتاغ» رواية «باسم الشعب» قرأه 17 مليوناً من الصينيين على اختلاف أعمارهم ومواقعهم خلال شهر. ومن الروايات الصينية التي وردت في القائمة أيضاً: «نحن الثلاثة» للكاتبة يانغ جيانغ وفيها تسرد الأيام التي قضتها مع زوجها الكاتب الكبير كيان زونغ شو في المنفى إبّان الثورة الثقافية، ورواية «كلمات إنسانية» لوانغ غواي.