لئن كان الطب يسعى في حقيقته إلى تشخيص أمراض الناس، وتقديم الوصفات العلاجية لهم من خلال الأدوية والمضادات المركبة كيماوياً والتي تساعدهم على تخطي المرض، والانتقال من فترة الألم إلى فسحة الفرح، فإن الفن التشكيلي باستطاعته أن يقدم الحالات الإنسانية بكامل تجلياتها والتعبير عنها، من خلال الفرشاة واللوح وعرضها بحالاتها النفسية المتقلبة، وطرح الوصفات العلاجية الممكنة للشعور بالسعادة والخروج من الحالة المضطربة إلى ما يمكن أن يسمو بالذات ويرتقي بها. ومن المدهش أن نجد في «مجموعة إنسان» وهو المعرض الذي أقامته الفنانة التشكيلية غدير حافظ في الصالة العالمية للفنون الجميلة في جدة أخيراً، حالات مختلفة يظهر الإنسان فيها اما منكفئاً على ذاته أو مرتدياً عدداً كبيراً من الأقنعة، التي رأت حافظ أنها «من طبيعة النفس البشرية، لكن يجب على كل إنسان أن يجد شخصه الحقيقي، ليكون هو ذاته وليس من يتلبسها والوقوف بوضوح أمام المشاعر التي يعمد على إخفائها عمن حوله». لذلك لم يستغرب زوار المعرض الذوات المتعددة التي يرونها في الوجوه البشرية، وقد نقلتها الفنانة من خارج اللوحة إلى داخلها وهي تصادفهم في العمل أو في الشارع أو في مواقف مختلفة في الحياة اليومية، وبعث طقوس الفرح والحزن والكآبة والخوف والمكر والخداع وسواها من الصفات الآدمية المطبوعة في نفس الإنسان بكثير من الانتباه. تقول غدير: «ليس بالضرورة أن تكون هذه الشخصيات شريرة أو سيئة، بل من الممكن أن تكون شخصيات رائعة، لكن لا نشعر أنها هي الشخصية التي نود أن نراها دائماً». حتى وان استلطفت غدير اللون الأزرق وسعت إلى توظيفه في مجمل الأعمال التي تجاوزت 53 عملاً، إلا ان الألوان الأخرى أتت مكملة لسطح اللوحة وخادمة لفكرة العمل وتعترف: «نعم اللون الأزرق من الألوان المحببة إلى نفسي والفرشاة هي مفتاح الحياة لي، وهي اللسان الصادق الذي يترجم كل القيم والمبادئ والمعاني وجميع العواطف، التي تحملها نفسي عبر لوحاتي أنا لا أجيد التعبير عما بداخلي بالكلام لكني أجيد التعبير بالألوان المختلفة». من المؤكد أن ما حمله المعرض يكشف عن جزء كبير من حقيقة الآدميين وتقلباتهم اليومية، ويشير إلى استيعاب واضح من الفنانة وما تلتقطه من وجوه الأشخاص ذكوراً كانوا أم نساء، وتبقى في تجربتها مجتهدة في تقديم ما يؤسس لمشروع فنانة قادمة تحمل فكرتها وفرشاتها، لتطرح كل ما يضيف للمشهد التشكيلي المحلي حتى وان سبقها إلى فكرة الإنسان وحالاته فنانون آخرون، تناولوا القضية من زوايا مختلفة ومُعبِّرة.