تماماً كما كان متوقعاً، برّأت «اللجنة (الإسرائيلية) العامة لفحص الحادث البحري»، أي حادث اعتراض البحرية الإسرائيلية قافلة السفن التركية (اسطول الحرية) المتضامنة مع قطاع غزة نهاية أيار (مايو) من العام الماضي، الذي أسفر عن قتل عشرة من ركاب إحدى السفن، ساحةَ المستويين العسكري والسياسي في الدولة العبرية من أي مسؤولية، وبررت في الآن ذاته الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ نحو خمس سنوات، بداعي أنه - كما اعتراض قافلة السفن - «قانوني، ولا يتعارض والقانون الدولي». وكانت الحكومة الإسرائيلية، واستباقاً لتشكيل لجنة تحقيق دولية، شكّلت الصيف الماضي لجنة محلية برئاسة القاضي المتقاعد يعقوب تيركل «لفحص الحادث البحري»، من دون أن تكون للجنة صلاحيات لجنة تحقيق رسمية. وضمت اللجنة إليها بصفة مراقبين، اثنين من مؤيدي إسرائيل دولياً هما اللورد البريطاني ديفيد تريمبل والجنرال الكندي كنت وودكين. وقالت اللجنة في تقرير نشرته أمس، إن إسرائيل، بفرضها الحصار البحري على القطاع، «لبّت الشروط الرسمية والإنسانية» لفرض مثل هذا الحصار، وإن فرضه تم لأسباب أمنية وليس أخرى، رافضة «الادعاءات التي لا أساس لها بأن الحصار يشكل عقاباً جماعياً». وقالت: «لا توجد قرائن تثبت ذلك»، مضيفة ان الجيش الإسرائيلي يتعاون مع مؤسسات دولية لإمداد سكان القطاع بما يلزم من أغذية للحؤول دون حصول جوع. مع ذلك، نصحت الحكومة الإسرائيلية بأن تعيد النظر في الاحتياجات الطبية لسكان القطاع و«فحص إمكان تحسين الوضع الحالي». كما نصحتها بدرس السبل لمحورة العقوبات في حركة «حماس» وليس في المدنيين. وأضافت اللجنة أنه يحق لإسرائيل «من دون أدنى شك أن تقيد حرية الحركة لأناس خلف الحدود من أجل الدفاع عن الأمن القومي والنظام العام». وتابعت انه من خلال مراجعة المواد التي تسلمتها «لا تستنتج أن الحصار البحري وسياسة المعابر الحدودية يتسببان في المس بحقوق الإنسان، او أنهما يتعارضان وقواعد القانون الدولي الإنساني». ورفضت اعتبار اعتراض قافلة السفن التركية في المياه الدولية انتهاكاً للقانون الدولي، بداعي أن «ثمة مؤشرات واضحة أكدت أن القافلة تريد كسر الحصار البحري». واعتمدت اللجنة في تقريرها 26 إفادة، بعضها سُمع خلف أبواب مغلقة، وعلى التحقيق العسكري الداخلي الذي أجراه الجنرال السابق غيورا أيلاند (برأ هو أيضاً ساحة الجيش من المسؤولية الجنائية) وصور فيديو لعملية السيطرة على السفينة ووثائق لمنظمات حقوقية غير حكومية عن الوضع في القطاع والمراسلات الديبلوماسية بين إسرائيل وتركيا قبل عملية الهجوم وخلالها وبعدها. ونشرت اللجنة إفادات جنود شاركوا في الهجوم اتهموا ركاب السفينة التركية بالاعتداء عليهم ووصفوهم ب «متعطشين للدماء هاجمونا بالسلاح الحي والهراوات والسكاكين». وأضافت أنها وجهت دعوات إلى جهات تركية عديدة، بينها طواقم السفن ورئيس منظمة «اتش اتش آي»، للإدلاء بإفاداتهم، لكنها لم تتلق أي رد من أي منها. وتعتزم إسرائيل تحويل التقرير إلى اللجنة الأممية التي شكلها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للتحقيق في الحادث، كما تعتزم القيام بحملة دعائية دولية للترويج للتقرير. حنين الزعبي من جهتها، عقبت النائب العربية في الكنيست حنين زعبي، التي كانت على متن السفينة التي تعرضت للهجوم الدموي، على التقرير بالقول إنه يكرر الرواية الإسرائيلية الرسمية «لمن قرر مهاجمة سفينة مرمرة وخطف 600 ناشط سياسي من قلب المياه الدولية، ولمن أعطى الضوء الاخضر لقتل تسعة ناشطين سياسيين تتراوح أعمارهم بين 19 و65 سنة». وأشارت إلى أن التقرير يعتمد بكامله على شهادة المسؤولين السياسيين والعسكريين الذين أخذوا قرار المهاجمة والخطف والقتل، بينما لم تخوَّل اللجنة صلاحية التحقيق في تفاصيل قتل الناشطين السياسيين، «ما يفرغ اللجنة من قيمتها كلجنة تحقيق في القتل وخطف سفينة مرمرة». وأضافت زعبي ان لجنة تيركل اعتمدت على «انتقائية واضحة في القضاة، والمراقبين الدوليين، أصدقاء إسرائيل، والأسئلة التي وجهت والشهود الذين تم استدعاؤهم». وأشارت إلى تجنب اللجنة الاستماع إلى شهادتها، وهي المواطنة الوحيدة التي رأت ما حدث على ظهر السفينة، «وذلك خوفاً من أن تشوش هذه الشهادة مضمون التقرير وتجبر اللجنة على إعادة النظر في الشهادات التي جمعتها». وشددت أن تقرير لجنة تيركل، التي شُكلت أصلاً لتكون منبراً حراً وواسعاً للدعاية الإسرائيلية، لا يستطيع تبرئة إسرائيل من كونها «منتهكة منهجية ومثابرة للقوانين الدولية... وهنالك تقرير دولي للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أقر أن إسرائيل قتلت الناشطين الأتراك بشكل متعمد».