من قصر «فرساي» التاريخي الشهير وخلال جلسة مشتركة استثنائية لمجلسي النواب والشيوخ ألقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطاباً عرض فيه الخطوات التي يعتزم تطبيقها خلال ولايته. الخطاب الموسع الذي استحوذ الشأن الداخلي على معظمه، أثار الكثير من النقد وحتى المقاطعة في الوسط السياسي الفرنسي حيث وصف البعض هذا الخيار ب «الفرعوني». وعلى مدى ساعة، شرح ماكرون تصوره للأداء الذي سيحكم ولايته وعرض القرارات والخطوات التي يعتزم القيام بها للقضاء على الخمول الاقتصادي والترهل الاجتماعي والمعيشي. ورسم ماكرون صورة قاتمة للعالم الذي قال انه خطر وتتراكم فيه التهديدات، ما يفرض على فرنسا «الابقاء على كل قنوات الحوار والتفاوض مفتوحة من اجل التوصل الى السلام»، مؤكداً عزمه على «اعادة وضع فرنسا في صلب الحوار»، من مالي الى اوكرانيا مروراً بسورية والخليج. واكد ان على فرنسا «ان تبني وان تعيد بناء التوازنات» من خلال التحدث الى كل القوى حتى «تلك التي لا تشاركنا قيمنا»، مع الحرص على عدم الحلول محل شعوب الدول الاخرى في اختيارها قيمها. وأشار إلى انه يعتزم رفع حال الطوارئ في الخريف المقبل لصون الحريات واعتماد قوانين تستهدف الارهابيين دون سواهم وتطبق بإشراف القضاء. ومن المرتقب وفقاً للوزير الناطق باسم الحكومة الفرنسية كريستوف كاستانير، أن يتحول هذا النمط من التخاطب بين ماكرون ومجلسي النواب والشيوخ وعبرهما إلى الفرنسيين، تقليداً سنوياً ثابتاً في عهد الرئيس الجديد الذي قرر التخلي عن المقابلة التلفزيونية التي كان الرئيس يدلي بها تقليدياً لمناسبة العيد الوطني الفرنسي في 14 تموز (يوليو) من كل عام. وعلى رغم أن خيار ماكرون التحدث خلال جلسة استثنائية للمجلسين المنتخبين ليس جديداً وهو منصوص عليه في الدستور الفرنسي، لكن من سبقه من رؤساء لم يلجأ إليه إلا في ظروف استثنائية بعدما أثار الكثير من الأخذ والرد لأسباب عدة. أحد هذه الأسباب هو توقيته عشية الخطاب المقرر أن يدلي به رئيس الحكومة إدوار فيليب حول السياسة العامة لحكومته وهو ما اعتبر بمثابة تحجيم لموقع رئيس الحكومة وتحويله لمجرد معاون للرئيس. لكن فيليب رفض هذا التأويل وأكد أن هناك تكاملاً تاماً وعميقاً بينه وبين ماكرون الذي كررت أوساطه أن كلا الخطابين أعدا في أجواء من التشاور بين الرئاسة ورئاسة الحكومة. لكن هذه التأكيدات لم تمنع كثيرين في الوسط السياسي من القول إن ماكرون يسعى إلى «إهانة» فيليب إمعاناً في تكريس موقعه السيادي وهيبته بصفته صاحب القرار الأول والأخير». السبب الآخر الذي غذى السجال، هو اختيار ماكرون لأحد أشهر معالم ملوك فرنسا للحديث عن برنامجه، ما يرسخ الصورة التي يتناقلها عنه البعض من أنه رئيس فوق العادة وفوق الجميع وهو ما يناقض تماماً الصورة التي شاعت عن سلفه فرانسوا هولاند الذي كان ألصق بنفسه صفة «الرئيس العادي». ومن أبرز منتقدي ماكرون على هذا الصعيد، زعيم حزب «فرنسا غير الخاضعة» (معارضة يسارية) النائب جان لوك ميلانشون الذي اعتبر أن ماكرون «خطا خطوة جديدة «باتجاه البعد الفرعوني لملكيته الرئاسية» وهو قرر ونواب حزبه مقاطعة الجلسة الاستثنائية في «فرساي». وكذلك قرر نواب الحزب الشيوعي واثنان من نواب حزب «الاتحاد الديموقراطي» (الوسط) مقاطعة الجلسة، معربين عن تخوفهم على حسن سير عمل المؤسسات ومستقبلها، نظراً إلى ميل ينسبوه إلى ماكرون للسيطرة على مختلف مراكز القرار في البلاد.