أدخلت الحملة الإعلامية الإسرائيلية التي رافقتها تهديدات مسؤولين عسكريين وسياسيين، طوال الأسبوع الماضي، بعدما أعلن في شكل درامي عن قرار إسرائيل بناء جدار عند الحدود مع لبنان، لمنع تسلل عناصر من «حزب الله» والوصول إلى بلدات إسرائيلية، إسرائيل والإسرائيليين إلى وضع وكأن الحرب على الأبواب. ومسألة إشعال برميل البارود عند الحدود الشمالية، باتت أقرب من أي وقت مضى. وكما قال رئيس أركان الجيش غادي آيزنكوت، لقائد سلاح الجو، أمير ايشل، في احتفال لمناسبة إنهائه الخدمة: «لا تستعجل الذهاب، فقد تتغير الأمور في الشرق الأوسط في كل لحظة، وتضطر لتمديد مهمتك». بث مباشر لمراسلي القنوات الإسرائيلية من قرب الحدود. تقارير إخبارية في الصحف. تعليقات محللين وخبراء عسكريين وضباط قدامى في الجيش ورؤساء بلدات الشمال، كلها رافقت إعلان قرار الجيش الإسرائيلي بناء جدار جديد على الحدود مع لبنان. لكن معظم هؤلاء الذين أعدوا هذه الحفلة وشاركوا فيها يدركون جيداً أن هذا القرار ليس جديداً، وقد بلورت الأجهزة الأمنية هذا المخطط السنة الماضية، وهو يشمل تحديث الجدار القائم حالياً على طول الحدود تجاه لبنان وتقويته. أما ما يتم الحديث عنه، اليوم، فلا يشكل ربع مساحة المنطقة الحدودية التي تعتبرها إسرائيل خطرة وبطناً رخوة يستغلها عناصر «حزب الله». صحيح أن الخطابات الأخيرة للأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله، شدت أنظار الإسرائيليين وتعاملوا معها بمنتهى الجدية، وصحيح أيضاً أن الأوضاع في سورية غير مطمئنة وأن التفاعلات الأخيرة يمكن أن تؤدي إلى إشعال المنطقة في كل لحظة، ولكن أن تنتقل الكرة من الملف السوري إلى ملف لبنان وإعادة الحديث عن الأخطار الأمنية في الشكل الذي رافق إعلان بناء الجدار، هو أمر يعكس جانباً من السياسة الإسرائيلية وفي مرحلة معينة، يعكس الجانب الممنهج في هذه السياسة بإثارة أجواء الخوف والرعب ليس إلا. إسرائيل حاولت من خلال هذه الإثارة أن تبث أكثر من رسالة وبالأساس إنها لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام تعزيز القدرات العسكرية ل «حزب الله»، وستكون جاهزة بعد بناء هذا الجدار لصد تهديدات «حزب الله» بالتسلل إلى بلدات الشمال واحتلال مناطق في الجليل. والحقيقة وراء الإعلان عن بناء الجدار هي نشر مناقصة لبناء قسم منه حتى تحولت الكلمات الأربع مما تضمنته المناقصة «بناء جدار تجاه لبنان»، إلى موضوع مركزي على أجندة الإسرائيليين. القرار الذي اتخذ هو إقامة جدار على طول الحدود من راس الناقورة وحتى المطلة ومن مزارع شبعا وحتى جبل الشيخ، أما ما أعلن عنه في المناقصة فهو جزء من هذا الجدار وتنافست على المناقصة خمس عشرة شركة بناء والفائزة منها ستباشر البناء خلال أسابيع، على أن ينتهي السنة المقبلة. قبل سنة اتخذ قرار بناء الجدار عقب التطورات في سورية واحتدام المعارك والسيناريوات التي وضعتها إسرائيل حول دور «حزب الله» في سورية وما قد يتخذه من خطوات من شأنها إحداث تصعيد أمني، علماً أن كل الجهات تعلن عدم رغبتها في الحرب. وخلال السنة التي مضت على قرار بناء الجدار، اتخذت إسرائيل إجراءات احتياطية وأمنية، بينها حفر عوائق ترابية تمنع دخول أي طرف لبناني إلى إسرائيل، كما كثفت دوريات المراقبة والاستخبارات. ومع هذا لم تحقق إسرائيل أهدافها. فقد وقعت أكثر من عملية اختراق للحدود آخرها دخول الشاب شادي مزهر، من اللبنانيين اللاجئين في إسرائيل منذ العام 2000، إلى لبنان بكل سهولة، متجاوزاً القنوات الترابية ودوريات المراقبة والاستخبارات. ومع هذا تواصل إسرائيل سياسة إحاطة حدودها بالجدران. وحتى الآن أعلن أن شركة «آكرشتاين» ستتولى بناء السور، أما الجدار الإلكتروني فستتولى الشركة الفائزة بالمناقصة بناءه. لم يغض الضباط في الجيش الإسرائيلي النظر عن الزوبعة الإعلامية حول الجدار، وتعاملوا مع قرار الجدار كأنه جديد، فاصدروا بيانات قالوا فيها إن القيادة الشمالية تستعد لاحتمال محاولة «حزب الله»، أو تنظيمات تعمل بإلهام منه، تشويش تقدم العمل بادعاء أنه لا يلازم خط الحدود الدولية الذي حددته الأممالمتحدة، بعد انسحاب إسرائيل من جنوبلبنان في عام 2000. كما أن الجيش يستعد لاحتمال تظاهرات وربما محاولات إطلاق النار من الطرف اللبناني باتجاه العاملين في بناء الجدار. الربط مع الجنوب السوري الإعلان الإسرائيلي عن بناء الجدار تزامن مع تقارير إسرائيلية تحدثت عن إقامة «حزب الله» 15 نقطة مراقبة جديدة على امتداد الحدود، اعتبرتها خرقاً لقرار مجلس الأمن 1701، إضافة إلى أن الأمين العام ل «حزب الله» حسن نصرالله، أعلن أن آلاف المحاربين سيتجندون إلى جانب تنظيمه في حرب مقبلة ضد إسرائيل. في هذا الجانب، ربطت إسرائيل الملف اللبناني بما رافقه من تطورات في سورية ومن توقعات الأجهزة الأمنية أن انهيار تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» سيؤدي إلى فقدان مناطق سيطر عليها في جنوب سورية وشرقها، وتنافس تحالفات مختلفة على المناطق التي سيتركها التنظيم. وخلال ذلك احتدمت المعارك في المناطق القريبة من الحدود وسقطت أكثر من عشر قذائف في الجانب الغربي من السياج الحدودي، في هضبة الجولان المحتلة، رد عليها الجيش الإسرائيلي بقصف أهداف تابعة للنظام ولتهديدات من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه أفيغدور ليبرمان، الذي توجه إلى ألمانيا للبحث في الملف السوري وتطوراته، والقلق المتصاعد في إسرائيل من تعاظم الدور الإيراني في سورية وإيران وإقامة صناعات حربية إيرانية لمصلحة «حزب الله» في الأراضي اللبنانية. وتوجه رئيس الكنيست الإسرائيلي يولي أدلشتين إلى موسكو، وألقى خطاباً أمام المجلس الفيديرالي في البرلمان الروسي، تطرق فيه إلى الأسلحة الجديدة التي يحصل عليها «حزب الله»، ودعا أعضاء البرلمان الروسي إلى محاربة ما سماه «الإرهاب». ونقل الموقف الإسرائيلي من الدور الإيراني في سورية، في لقاء مع رئيسة الفيديرالية فالنتينا متفينكو، ومؤداه أن «الوجود المكثف لإيران على مقربة من الحدود الإسرائيلية، حتى بصورة «حزب الله»، ليس مقبولاً لإسرائيل». حزام أمني بمشاركة تحالفات محلية ما يهم إسرائيل حالياً هو إبعاد إيران من مناطق حدودها ومنع سيطرتها على المنطقة، خصوصاً من جانب «حزب الله»، كما يؤكد أكثر من مسؤول إسرائيلي. ووفق الجنرال في الاحتياط أودي ديكل فإن كل الجهات تتنافس على ضمان مكانة لها في سورية، استعداداً لليوم الذي يلي زوال «الدولة الإسلامية»، وإيران هي الأبرز علماً أنها تركز نشاطها من الشرق إلى الغرب، فيما بقيت المنطقة الجنوبية الغربية في سورية فارغة من دون سيطرة أي جهة، أي من درعا إلى هضبة الجولان. والوضع الحالي وفق ديكل من شأنه أن يتيح للمزيد من مقاتلي التنظيمات الاقتراب من المنطقة الفارغة، وهو أمر يتطلب إقامة حزام أمن إسرائيلي. إسرائيل من جهتها تنطلق في تحقيق هدفها حول منع بسط إيران من أن «عدو عدوي هو صديقي»، وتسعى إلى إقامة حزام أمني بمشاركة تحالفات محلية وتنظيمات مقاتلة، وما تبذله من جهود لتقديم ما تسميه المساعدات الإنسانية لمعارضي النظام ونقل الجرحى إلى مستشفيات إسرائيلية، هو جانب من الأدوات التي تستخدمها لتحقيق هدفها، من دون التنازل عن العمليات العسكرية، تحت شعار «عدم السماح بتجاوز الخطوط الحمر». وقال نتنياهو في هذا الصدد: «تمركز إيران و «حزب الله» على الحدود بين سورية وإسرائيل وعلى الحدود بين سورية والأردن من شأنه أن يضعضع الاستقرار في المنطقة ويشكل تهديداً أمنياً لإسرائيل أو للأردن. وإقامة مناطق فصل في الجانب السوري من الحدود ستمنع الإيرانيين و «حزب الله» من الوصول إلى خط الجدار وتجعل من الصعب عليهم المبادرة إلى الهجمات». كما بعثت إسرائيل برسائل إلى إيران عبر دول أوروبية حذرت خلالها من إقامة مصانع إنتاج الأسلحة لمصلحة «حزب الله» على الأراضي اللبنانية، وأعلنت أنها لن تسمح ببنائها. وأوضحت في رسائلها، وفق ما نقل عن مسؤولين عسكريين إسرائيليين، أن دعم إيران «حزب الله" هو المسألة المركزية، التي يجب أن يتعامل معها المجتمع الدولي في الشأن الإيراني، وأن اقامة مصانع أسلحة إيرانية في لبنان يمكن أن يقوض الاستقرار في شكل خطير. ووفق المسؤولين العسكريين فإن «الحكومة اللبنانية لا تستطيع التأثير في هذا الموضوع، ولذلك فان العنوان لمعالجة الموضوع موجود في أيدي جهات أخرى مؤثرة». ويرى الإسرائيليون أن «حزب الله» يسعى إلى فتح جبهة جديدة مع إسرائيل في الجولان، لأنه لا يستطيع فتح جبهة في لبنان. والغرض من الإجراءات الإسرائيلية اليوم هو القول إن تل أبيب لن تقبل بأن يحدد «حزب الله» وحده ميدان المعركة، وإن إسرائيل تنوي فتح جبهتين معاً، في الجولان وفي لبنان.