على رغم أن بثّ الافكار اليسارية ليس أمراً مألوفاً في الدول العربية، استطاع موقع «الحوار المتمدن» ahewar.org الوصول إلى جمهور عربي واسع على الإنترنت، ناقلاً إليه وجهة نظر لا تخفي انتماءها إلى اليسار. وتوسّل ذلك بتبني نبرة الاحتجاج، وإلقاء الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان، والتركيز على المطالبة بالعدل والمساواة. وأفادته هذه النبرة الفريدة، التي يواصلها منذ تأسيسه قبل 9 سنوات، في نيل «جائزة ابن رشد للفكر الحرّ» العالمية أخيراً. والمعلوم أن هذه الجائزة تمنحها مؤسسة ان رشد للفكر الحر، ومقرّها برلين، منذ 11 عاماً. وتضم قائمة أسماء الفائزين بهذه الجائزة المفكر الإسلامي نصر حامد أبو زيد، والاقتصادي المصري سمير أمين، والمفكر محمد عابد الجابري وغيرهم. وبعدها بقليل، جذب الموقع الاهتمام مجدداً، عبر الدور النشط الذي أداه في مساندة الانتفاضة التونسية. ولعل «ثورة الياسمين» أعطت مثالاً عن الأفكار التي دأب الموقع على نشرها، خصوصاً إقامة مجتمع مدني متمدن مرتكز على أساس حرية الرأي والعدالة. ويعلن الموقع أنه ينطق بلسان مؤسسة الحوار المتمدن، وهي «يسارية، علمانية وديمقراطية»، بحسب كلمات الموقع الذي يرفع شعار «من أجل مجتمع مدني علماني ديمقراطي، يضمن الحرية والعدالة للجميع». ويمارس الموقع ضغوطاً على منتهكي الحريات، عبر حملات الكترونية تسعى لفضح الاستبداد، وإطلاق معتقلي الرأي والمعتقد وحرية التعبير. وفي هذا الاطار، واكب موقع «الحوار المتمدن» تحرّك الشعب التونسي من أجل رفع الاستبداد والظلم. ونشر حوادثه أولاً بأول، وبكثافة، كما أعلن حالاً من التعبئة العامة لدعم التونسيين. وجعل شعار «اذا الشعب يوماً أراد الحياة» يرفرف في ثنايا الموقع لإيصال رسالة الحرية إلى الشعوب العربية، معتبراً أن المثال التونسي يمكنه أن يشكّل نموذجاً للتغيير في العالم العربي. وينطق الموقع بثلاث لغات، هي العربية والكردية والإنكليزية، ما يضمن له جمهوراً متنوّعاً في المنطقة العربية. ويركز على اللغة البصرية في إيصال الخبر، إذ يتصدر صفحة الاستقبال فيه شريطان من الصور، مع عنوان صغير تحت كل منها. وينشر قرابة 100 موضوع يومياً، مع 600 تعليق على الأقل. ويحتوي مقالات عن مواضيع متنوّعة ومعاصرة، لكتاب من الدول العربية كافة. كما يهتم بمشاركة الجمهور في التفاعل والحوار، عبر التصويت والتعليقات والحوار المفتوح المباشر بين كتاب الموقع وجمهوره الإلكتروني. وأوصلته هذه الميزات الى اجتذاب ما يزيد على مليوني مشارك. ويخصّص الموقع أقساماً واسعة لمناقشة الأمور التي تدخل في قائمة المحظورات عربياً، مثل نقد الفكر الديني، ونقاش المثلية جنسياً، وتبني إلغاء عقوبة الإعدام وغيرها. ويخصّص موقع «الحوار المتمدن» قسماً للكتب في زاوية «مكتبة الحوار»، التي تقدم كتباً ذات طابع يساري، مثل تلك التي تتناول تاريخ الثورة البلشفية في روسيا، وتاريخ الجمهورية الشعبية الاشتراكية في الصين، إضافة إلى كتب ثقافية واجتماعية متنوّعة لا تغيب الجرأة عن خياراتها. ويولي الموقع اهتماماً نوعياً بقضية المرأة في العالم العربي، ويلقي أضواء على ما تتعرض له من أشكال الانتهاك والعنف وعدم المساواة وغيرها. ويلامس حقوق الأطفال والشبيبة وأصحاب الحاجات الخاصة. واستطاع الموقع ان يصنع لنفسه قاعدة شعبية واسعة على الإنترنت، استناداً إلى انتهاجه الشفافية والديموقراطية واحترام تعدد الآراء واختلافها. ولا يتردد في عرض الآراء التي تنتقده، وترفض أفكار اليسار كافة. وعبّر كثيرون من القرّاء عن اعتقادهم بأن الموقع هو نموذج للنشاط اليساري في الإعلام الإلكتروني.