يا قوم من المحيط إلى الخليج، هل أدلكم على تجارة تعود بالنفع علينا دون عناء؟ بشرط المكسب «فيفتي فيفتي»، فإذا تمت الموافقة الضمنية الرجاء مواصلة القراءة والاطلاع على الشروط آخر النص، وإلا عزيزي القارئ انتقل للمقالة التي تليها ولا «تعطلنا الله يرضى عليك يا ابني ورانا شغل». الفكرة باختصار أن يقوم أحدكم بإشعال النار في نفسه، ومن جهتي سأوفر البنزين طبعاً وسيكون من النوع الفاخر «95»، «آخر دلع»، وبعد ذلك نبحث عن رجل الأعمال الكويتي الذي عرض عشرة آلاف دولار لشراء عربة «محمد البوعزيزي» الذي فعلها في تونس، ونحاول أن نبيعه «الجركل» على الأقل حتى ولو بنصف المبلغ، وهكذا كل أسبوع نحرق لنا «واحد» ونبحث عن سذج يدفعون في الخليج وما أكثرهم، إذ سبق رجل الأعمال الكويتي سعودي عرض المبلغ ذاته لشراء حذاء «منتظر الزيدي»، الذي قذف به بوش قبل أن يتضح أنه مليونير «على باب الله». إذا كان البوعزيزي «المتهم» بإسقاط حكومة ابن علي في تونس شجع أربعة على الأقل ليحرقوا أنفسهم أملاً في إسقاط حكومات بعضهم، أو تعبيراً عن وضع معيشي معين، فمع العشرة آلاف دولار التي عرضها «أخينا» سيتشجع آخرون للقيام بحماقة مماثلة للحصول على المبلغ، وأعتقد أنه من الآن فصاعداً يجب وضع قيود على المشاركين في هذه العملية الانتحارية لضمان عدم انتشارها بشكل عشوائي في الدول ذات الأنظمة الدكتاتورية، أو تلك التي يشعر أبناؤها بالقهر، ويستحسن أن تكون تلك القيود من خلال مكاتب خدمات عامة. المحزن في الموضوع أن «البوعزيزي» اُستغل من المطبلين والمزمرين لتجييش الشعوب العربية، ما دفع حمقى لارتكاب جريمة في حق أنفسهم وذويهم بشكل يؤسف له. فمغالطة كبرى أن ينسب للشاب التونسي إسقاط الحكومة، ومن الحماقة أن يتوقع كل من أحرق نفسه سيجر إلى إسقاط حكومة بلاده، أو يفرض عليها أمراً واقعاً، فما حدث في تونس هو نتيجة تراكمات على مدى أكثر من 20 عاماً، قد لا تتوفر في دولة أخرى من خلال المقاييس ذاتها، فلكل مجتمع أولوياته، وهذا شيء بدهي، لكن من غير المقبول ومن المعيب أن يقوم مرتزقة بتشجيع مواطنين عرب على إحراق أنفسهم من خلال تمجيد «البوعزيزي» لإثبات وجهات نظرهم، مستغلين بساطة مواطنين وحاجتهم. هذه الحال، وأقصد هنا حال «التجييش» التي نتحدث عنها قد تبدو واضحة في المجتمع الخليجي عندما نقارنها في الدول العربية الأخرى، فلطالما كانت هذه الدول محط أنظار الآخرين الذين يرون أن سماءها تمطر ذهباً، وأرضها تضخ نفطاً، وشعبها لا يستحق هذه النعمة التي هبطت عليه من السماء. لكن بخلاف الحديث عن البطالة في دول المجلس والجهود التي لم يُكتب لها النجاح حتى الآن، هناك قضية تبدو أكثر تشعباً وتأثيراً وخطورة تتمثل في القبلية والطائفية والمناطقية، التي يبدو نصيبها محدوداً، ومبادرات احتوائها محدودة وخجولة، ما دفع دولاً ومرتزقة للعزف على هذا الوتر الحساس، وعلى رغم أننا ندرك صعوبة وحساسية هذه الحال على وجه الخصوص، إلا أننا نتوقع من حكومات المنطقة أن تكون أكثر وعياً في السعي لاحتوائها، وفي السعودية على سبيل المثال مبادرة «الحوار الوطني» تبقى نموذجاً مضيئاً في فكرتها، بيد أن أثرها محدود حتى الآن، فهذه الآفات لا تزال متفشية، والأنكى أنها لدى الجيل الجديد أكثر مما هي عليه بالنسبة لآبائهم وأجدادهم، لذلك محاربتها والسعي للقضاء عليها بالصورة الحالية لا تبدو خياراً صائباً، فلا يوجد ما يمنع الفرد من التفاخر بمكتسباته أو انتمائه، لكن ليس من خلال تحويل المؤسسات والإدارات إلى تجمعات قبلية أو مذهبية، وأيضاً ليست من خلال منتديات الكترونية تغذي التعصب وتزكيه، وأيضاً ليست من خلال فضائيات تحمل أسماء مدن ومناطق وكأنها تعيش في كوكب آخر. محاربة الأدوات المتاحة على غرار تلك التي ذكرناها هي أولى الخطوات التي ينبغي إتباعها، ومن ثم البحث في سبل توظيف تلك العناصر لخدمة الأوطان، لأنه يجب ألا تكون عبئاً عليها في ما هي من مكاسبها. بالمناسبة عرض «بنزين 95» المذكور أعلاه لأهالي «03» فقط، أي «الشرقية»...! [email protected]