طهران - رويترز - على غرار ملايين الإيرانيين، تستمتع صبا بالاسترخاء أمام التلفزيون بعد الانتهاء من العمل. هي لا تهرع من وظيفتها في إحدى شركات النفط لتشاهد التلفزيون الحكومي، الذي يحتكر نظرياً البث في ايران، بل لمشاهدة القنوات الفضائية التي تبث من الخارج. صبا (30 عاماً) التي طلبت عدم نشر اسمها بالكامل بسبب عداء الحكومة للبرامج التي تبثها القنوات الفضائية، تقول: «برنامجي المفضل هو مسابقة للطهي. إنه واحد من أفضل برامج الطعام التعليمية على الإطلاق». البرنامج الذي تتحدث عنه بعنوان «انضموا إلينا على العشاء»، وهو نسخة فارسية من برنامج بريطاني شهير يحمل الاسم ذاته، ويذهب فيه أربعة طهاة ايرانيين هواة الى منازل بعضهم بعضاً ويتنافسون على جائزة مالية. وتبث قناة «مانوتو» الفضائية، ومقرها لندن، هذا البرنامج. وهي واحدة من قنوات بدأت أخيراً تتحدى الرقابة الحكومية من خلال بث برامج باللغة الفارسية تتنافس على جذب الجماهير العريضة التي لم يكن امامها حتى وقت قريب خيار يذكر سوى مشاهدة ما يقرره التلفزيون الحكومي ما تستطيع مشاهدته. وفي برنامج الطهي، يستقبل الطهاة من الرجال والنساء بعضهم بعضاً في منازلهم بالقبلات، وهو سلوك شائع بين كثيرين من الإيرانيين سراً، لكنه أمر محظور في العلن وعلى شاشة التلفزيون الحكومي. على شاشة القناة الأولى بتلفزيون الجمهورية الإسلامية، تعلن المقدمة الموسيقية عن بداية مسلسل «مختار نامه» الذي تدور أحداثه في عهد الإمام الحسين. في أحد الأيام مع انتقال الأحداث من المناقشات الدينية الى مشاهد المعارك العنيفة، كانت المخرجة مهناز محمدي (34 عاماً) تشاهد التلفزيون في منزلها وتقلب قنوات التلفزيون الحكومي بحثاً عن مادة اخف. وجدت برنامجاً دينياً يقدمه عالم دين وبرنامجاً عن كرة القدم وفيلماً وثائقياً عن الحياة البرية. تقول: «المشكلة في ايران هي عدم وجود برامج من دون رقابة. أما سبب مشاهدة الناس للقنوات الفضائية، فهو أنها تعرض علاقات حقيقية بين الناس، وهو ما لا يقدمه التلفزيون الحكومي». منذ الثورة عام 1979، التي اتت لتطبيق الشريعة الإسلامية في ايران، تعين أن تلتزم البرامج التلفزيونية والأفلام بالقيم الدينية من خلال تجنب المشاهد التي تظهر علاقات حميمة بين الرجال والنساء او تخالف معايير الزي الإسلامي للنساء. وفي حين أن المادة 24 من الدستور الإيراني تنص على الالتزام بحرية التعبير، فإنها تحظر التعبير عن الآراء التي «تقوض المبادئ الأساسية للإسلام». ومن بين اكثر البرامج شعبية برنامج «90»، وهو تحليل أسبوعي لمباريات كرة القدم الإيرانية. ومن الثوابت بالنسبة الى القنوات الحكومية الأفلام التي توافق عليها الحكومة، فإذا كانت أجنبية يتدخل فيها مقص الرقيب بعنف. وتفسر القيود على البرامج التي يعرضها التلفزيون الحكومي لماذا تحول كثيرون من الإيرانيين الى البرامج التي تبث من خلال غابة أطباق استقبال القنوات الفضائية التي تتوج كثيراً من المنازل والمباني في إيران مما يغضب الحكومة. وفي الأسبوع الماضي نقلت وكالة «فارس للأنباء» شبه الرسمية عن رجل الدين سيد حسين ركني حسيني قوله: «القنوات الفضائية استثمرت من أجل انحراف الشبان. بعض الناس ركبوا أطباق استقبال القنوات الفضائية وأدخلوا الشيطان بيوتهم». وقبل ان تفتح شبكة تلفزيون «مارجان» ومقرها بريطانيا قناة «مانوتو» عام 2010، افتتحت شبكة الشرق الأوسط، ومقرها دبي، قناة «فارسي 1» عام 2009، واكتسبت جمهوراً بتقديمها مجموعة من البرامج الترفيهية المدبلجة الى الفارسية من الولاياتالمتحدة وأميركا اللاتينية وآسيا. وقناة «فارسي 1» مشروع مشترك بين «نيوز كورب» المملوكة لروبرت ميردوخ و «موبي غروب» الأفغانية. وقال محمد علي الهاشم، رجل الدين والمسؤول بالجيش، لصحيفة «كار فا كارجار» الأسبوع الماضي: «برامج القنوات الفضائية هي اكبر حملة عسكرية للأعداء ضد قيم الثورة الإسلامية». وفي كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أعلنت ايران إنها أغلقت استوديو في طهران يقوم بأعمال الدوبلاج للبرامج لحساب قناة «فارسي 1» وألقي القبض على خمسة موظفين. وقال مدعي عام طهران عباس جعفري دولت آبادي، إن هدف الاستديو هو «مساعدة الحركة المناهضة للثورة». ونفت «فارسي 1» اي صلات بالمكتب الذي أغارت عليه الشرطة، وقالت إنها ليست لها عمليات داخل ايران. ومن مصادر التهديد الأخرى لسيطرة الحكومة، انتشار أقراص الفيديو الرقمية، المشروعة وغير المشروعة. وتوفِّر الأقراص، المنتشرة على نطاق واسع، إمكانية الاطلاع على أحدث أفلام هوليوود بتكلفة بسيطة، كما توفرت أخيراً البرامج الإيرانية التي تباع مباشرة على مواقع الإنترنت. وأصبحت حلقات «قهوة مرة» من أوائل المسلسلات التي تباع في ايران على أقراص الفيديو مباشرة وحققت نجاحاً مذهلاً.