بدأ وفد القمة الثلاثية السورية - التركية - القطرية المؤلف من رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني ووزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو محادثاته في بيروت لتعويم الاتفاق السعودي - السوري لحل الأزمة اللبنانية، على وقع تطورات ميدانية وسياسية زادت مهمته تعقيداً. وسبق وصول الوفد بعد ظهر أمس، تحرك تجريبي نفذته مجموعات من الشبان في مناطق سيطرة «حزب الله» وحركة «أمل» تجمعوا في بعض أحياء العاصمة ومفترقات طرق رئيسة منها، وصولاً الى طريق المطار، في الصباح الباكر ما سبّب حالة ذعر بين المواطنين دفعت معظم المدارس الى إقفال أبوابها وأدت الى شبه انعدام الحركة في شوارع العاصمة، وجاء هذا التحرك احتجاجاً على تحويل المدعي العام الدولي في المحكمة الدولية القاضي دانيال بلمار القرار الاتهامي الذي أعلن أمس انه «سيبقى سرياً في الوقت الحاضر»، الى قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين، وفق قول مصادر قيادية في كل من حركة «أمل» و «حزب الله». أما التطورات السياسية فتمثلت باستباق رئيس البرلمان نبيه بري زيارة بن جاسم وأوغلو التي تتم استناداً إلى تأكيد القمة الثلاثية أول من أمس «أن يكون الحل للأزمة في لبنان مبنياً على المساعي الحميدة السورية - السعودية» بنعي التسوية السعودية - السورية في تصريحات صحافية، إذ أكد أن المعارضة تعتبر أن مرحلة ما قبل صدور القرار الاتهامي تختلف عما بعده، منذ عصر أول من أمس. وأكدت مصادر بري ل «الحياة» أن التسوية التي كانت صيغت «قبل تحويل القرار الاتهامي ماتت وبات واجباً البحث عن عناصر تسوية جديدة لكن على أساس تفاهم س - س، إنما عناصر التسوية الأولى لم تعد نافعة بعد صدور القرار الاتهامي». وكانت بيروت استفاقت صباح أمس على أنباء حصول تجمعات في عدد من أحيائها منذ ما قبل السادسة صباحاً من قبل مجموعات شبان غير مسلحين، حمل بعضهم أجهزة اتصال لاسلكية وشوهد بعضهم وهم ملثمون، ومعظمهم باللباس الأسود، عند إحدى نقاط طريق مطار رفيق الحريري الدولي ومستديرة الطيونة ورأس النبع وبشارة الخوري والخندق الغميق وزقاق البلاد ومار الياس وبربور وغيرها. وطلب بعض هؤلاء الشبان في بعض الأحياء (وليس كلها) من سائقي الباصات التي تقل تلامذة الى مدارسهم إعادتهم الى منازلهم، فيما دب الذعر في قلوب بعض سائقي السيارات المتوجهين الى أعمالهم صباحاً، وانتشر الخبر عبر محطات التلفزة فزاد منسوب القلق وانتشر في سرعة فلجأ عدد من الأهالي لسحب أولادهم من المدارس فيما طلبت إدارات مدارس عديدة من الأهل إعادة أولادهم الى المنازل خشية تطور الأمر الى تحرك يتسبب بخلل أمني، بينما عاد بعض الأهالي أدراجهم الى المنزل عند مرورهم بأماكن التجمعات الشبابية هذه. وخلال النهار تراجعت حركة السير في شوارع العاصمة، على رغم ان الجيش سيّر دوريات وسأل الشبان المتجمعين عن أسباب تحركهم فلم يجب بعضهم، فيما قال بعضهم الآخر بأنه يتهيأ للذهاب في رحلة. لكن هؤلاء انسحبوا زهاء السابعة صباحاً. ولم يخف غير مصدر في «حزب الله» و «أمل» ان التحرك جاء اعتراضاً على القرار الاتهامي وتحويله من بلمار الى القاضي فرانسين. وبينما قالت مصادر «أمل» إنه عفوي، لفتت مصادر أخرى قريبة من «حزب الله» الى انه توقف لكنه لم ينته وستكون هناك خطوات لاحقة، فيما أكد الوزير السابق وئام وهاب ان للمعارضة تحركات لاحقة وأن الجيش اللبناني اتخذ قراراً بالوقوف على الحياد، محذراً قوى الأمن الداخلي من التعرض للتحركات. وقالت مصادر بري انه سهر طوال ليل اول من أمس لإجراء اتصالات من اجل سحب الشبان الذين خرجوا للتجمع في الشارع. وبينما لقي هذا التطور الميداني ردود فعل مستنكرة من فريق 14 آذار ونواب «المستقبل»، واستغرب نواب من «أمل» الضجة التي أُثيرت ونفوا وجود خيار باللجوء الى الشارع، اتخذت مؤسسات رسمية وأخرى أجنبية احتياطات أمنية، لا سيما حول السراي الحكومية الكبيرة ودارة آل الحريري في منطقة قريطم وغيرها من المباني. ورأت أوساط عدة ان هذا التحرك رسالة لوفد القمة الثلاثية. وقبل ان يصل كل من حمد بن جاسم وأوغلو الى بيروت كان قائد الجيش العماد جان قهوجي زار دمشق والتقى الرئيس بشار الأسد للتداول في التعاون بين الجيشين و «دور الجيش في تحصين أمن لبنان واستقراره». واجتمع بن جاسم فور وصوله الى مطار رفيق الحريري الدولي الى رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري الذي كان في استقباله مع وزير الخارجية علي الشامي، وانتظر الجميع وصول الوزير أوغلو. وانطلق الضيفان القطري - التركي الى القصر الرئاسي حيث اجتمعا الى رئيس الجمهورية ميشال سليمان، لمدة ساعة وربع الساعة، وأشارت الرئاسة الأولى ان البحث جرى انطلاقاً من المبادئ التي أُقرت في القمة الثلاثية في بعبدا (في تموز/ يوليو) والمسعى السعودي - السوري الذي كان يتم بالتنسيق مع سليمان. ودام اجتماع بن جاسم وأوغلو الى الرئيس بري من الرابعة إلا عشر دقائق حتى السادسة إلا عشر دقائق في حضور النائب علي حسن خليل ومستشار بري علي حمدان، قال بري إثرها إن «الأمور لا تزال تحت البحث. هناك عُقَد لكن إن شاء الله خير». ورداً على سؤال حول مصير س - س قال: «س - س دائماً هي أساس». وقالت مصادر بري إنه عرض خلال الاجتماع الجهود التي بذلت قبل تحويل بلمار القرار الاتهامي، ملقياً اللوم على الحريري لأنه «لم يتجاوب مع الرسالة التي بعثت له بها مع (رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي») النائب وليد جنبلاط بأن يستعجل إعلان موقف يُدرج لاحقاً في صلب البيان الوزاري للحكومة العتيدة. وما كان صالحاً قبل تحويل القرار الاتهامي لم يعد مقبولاً الآن لأن هناك أزمة ثقة نشأت وهذا أدى الى تسميم الأجواء في البلد». وانتقل الضيفان الى منزل الحريري حيث التقياه في حضور مستشاره محمد شطح ومدير مكتبه نادر الحريري وأفاد مكتب الحريري الإعلامي ان البحث تناول كيفية تنفيذ نتائج القمة الثلاثية التي عُقدت في دمشق. واستمر الاجتماع زهاء ثلاث ساعات. وقالت مصادر مطلعة ل «الحياة» ان بن جاسم وأوغلو يحملان أفكاراً جاهزة استناداً الى التسوية التي توصل إليها الجانبان السعودي والسوري وينطلقان من آلية لتطبيقها، وإنهما «يأملان بالوصول الى نتائج سريعة وسيصلان الليل بالنهار في اجتماعاتهما وصولاً الى اتفاق - سلة يحوي صيغة تنفيذية للاتفاق السعودي - السوري، على ان يجرى تطبيق الحل بدءاً من الاستشارات النيابية الاثنين المقبل». وأوضحت المصادر أن ما بحثه بن جاسم وأوغلو هو «إعادة هيكلة بنود س - س، خصوصاً أن الخلاف حصل على كيفية تطبيقها». والتقى بن جاسم وأوغلو في فندق فينيسيا كلاً من زعيم «التيار الوطني الحر» النائب ميشال عون، ثم رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» (حزب الله) النائب محمد رعد، ثم سائر القيادات اللبنانية في قوى 14 آذار والمعارضة والمستقلين. وفي شرم الشيخ حيث تعقد الاجتماعات الوزارية التحضيرية للقمة العربية الاقتصادية، علمت «الحياة» أن مصر طلبت خلال الاجتماع التشاوري المغلق لوزراء الخارجية تشكيل الجامعة العربية لجنة لمتابعة تطورات الأوضاع في لبنان لكن سورية اعترضت. وقال مصدر عربي شارك في أعمال الاجتماع ل «الحياة» إن وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط طلب خلال الاجتماع مواصلة الجامعة العربية دورها في لبنان باعتبارها اضطلعت بدور أساسي في الشأن اللبناني. وأكد أنه لا يصح أن «يرى العرب مبادرات من هنا وهناك والجامعة غائبة، ولذلك يجب تشكيل لجنة من الجامعة العربية». وأضاف المصدر أن ممثل سورية في الاجتماع نائب وزير الخارجية فيصل المقداد اعترض على هذا الطرح وطلب الاكتفاء بتأييد المبادرة السورية - السعودية وتحدث عن القمة الثلاثية بين زعماء سورية وقطر وتركيا. وأوضح المصدر أنه إزاء تباعد وجهتي نظر مصر وسورية ترك الموضوع للقادة للبحث فيه. وكان وزيرا خارجية السعودية الأمير سعود الفيصل ومصر أحمد أبو الغيط عقدا اجتماعاً في شرم الشيخ وبحثا في الشأن اللبناني. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية السفير حسام زكي للصحافيين إن الفيصل عرض لأبو الغيط الجهد الذي بدأه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز في الموضوع اللبناني، والذي أنهاه أيضاً قبل بضعة أيام. وأكد زكي أن مصر «تقدر عالياً الجهد السعودي الذي ذهب بعيداً في محاولة احتواء الوضع، لكن هذا المسعى لم يصل إلى النتائج المرجوة، مشيراً إلى محاولات لإطالة أمد التسوية، «وربما يدخل ذلك في إطار حسابات سياسية معينة». وقال إن مصر «لا ترغب في تعطيل الجهود، لكنها أيضاً تدعو دائماً الى أن يتحمل اللبنانيون أنفسهم مسؤولية تسوية الأمور العالقة بينهم، بدلاً من تلقي حلول جاهزة من أطراف غير لبنانية». وقال زكي رداً على سؤال ل «الحياة» إن الوزيرين استعرضا الوضع اللبناني في إطار التنسيق المصري - السعودي وكيف يمكن أن تعمل الدولتان من أجل الحفاظ على استقرار لبنان وأمنه ودعم الدولة ومؤسساتها والحفاظ أيضاً على مسار العدالة. ورأى أن الدور المصري «يؤرق بعض الأطراف، لكن مصر لا يعنيها ذلك دائماً، ولا يمكن لأي طرف أن يعيق الدور المصري، الذي لديه من الموروث والقدرة الديبلوماسية ما يمكنه من احتواء أو تجاوز أي محاولات للعرقلة». وأكد زكي أن مصر لا تمانع في المشاركة في أي جهد لتهدئة الأوضاع في لبنان. وعن اقتراح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تشكيل مجموعة عمل بشأن لبنان، قال زكي إن هذا ما زال مقترحاً، ولا يوجد أي تحرك رسمي حتى الآن بشأنه». من جهة ثانية، أعرب القاضي بلمار في بيان ليل أمس، عن قلقه «الشديد إزاء بث بعض القنوات التلفزيونية اللبنانية من دون إذن، تسجيلات يبدو انها استجوابات أجراها مسؤولون من لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة (لجنة التحقيق). وهذه المواد تعد سرية ومحمية، ونشرت خرقاً للقانون»، مشيراً الى انه «ينظر حالياً في كل السبل الممكنة، في لاهاي ولبنان، لتحديد كيفية تسرب هذه المعلومات السرية الى العلن، وتجنب المزيد من الكشف عن مثل هذه المعلومات من دون إذن». ودان «بشدة الكشف عن هذه المعلومات السرية»، متعهداً بأن مكتبه «لن يدخر جهداً في سبيل إقامة العدالة».