واجهت الحكومة التونسيةالجديدة، أمس، أول امتحان لتماسكها عندما استقال منها ثلاثة وزراء ينتمون إلى المركزية النقابية «الاتحاد العام للشغل» بسبب اعتراضهم على ضمها وزراء ينتمون إلى «التجمع الدستوري الديموقراطي»، الحزب الحاكم في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وأيد حزب التجديد، أحد الأحزاب المعارضة الثلاثة التي ضمّها الوزير الأول محمد الغنوشي إلى حكومته، موقف اتحاد الشغل، وهدد بدوره بالانسحاب من الحكومة في حال لم يتخل وزراء «الدستوري» عن عضويتهم فيه. كما أعلن الهادي رضواني القيادي في «التكتل الديموقراطي من أجل العمل والحريات» المعارض أن زعيم الحزب مصطفى بن جعفر الذي عُيّن وزيراً للصحة، استقال من الحكومة احتجاجاً على وجود وزراء التجمع الدستوري فيها. وتزامنت هذه الاستقالات مع استمرار التظاهرات الشعبية المعارضة لبقاء وزراء حزب الرئيس المخلوع في الحكومة الجديدة. وأدخل الغنوشي قادة من المعارضة في ائتلاف حكومي أول من أمس بعدما فرّ الرئيس بن علي إلى المملكة العربية السعودية، يوم الجمعة، بعد أسابيع من احتجاجات عنيفة في الشوارع ضد نظامه، لكن شخصيات مهمة مما يُعرف ب «الحرس القديم» ظلوا في مناصبهم، ما أغضب كثيرين في تونس. وأعلن اتحاد الشغل، أمس، انسحاب ثلاثة وزراء يمثّلونه من حكومة الوحدة. وقال عبيد البريكي الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل للتلفزيون التونسي إن القرار اتخذ بسبب استمرار وجود أعضاء من الحزب الدستوري، حزب الرئيس المخلوع، في الحكومة. وأضاف أن القرار هو استجابة لمطالب الناس في الشوارع. وأكد الوزير حسين الديماسي لاحقاً إنه قدم استقالته من الحكومة مع وزيرين آخرين من وزراء اتحاد الشغل. والوزراء الثلاثة الذين أسندت اليهم مناصب صغيرة في الحكومة الجديدة هم حسين الديماسي وزير التكوين المهني والتشغيل وعبدالجليل البدوي وأنور بن قدور (وزيرا دولة). ويرأس الاتحاد العام التونسي للشغل عبدالسلام جراد وهو المركزية النقابية الوحيدة في تونس وقام بدور مهم في تنظيم حركة الاحتجاج ضد نظام بن علي. وخلال 23 عاماً من حكم بن علي كانت قيادة الاتحاد إجمالاً قريبة من السلطات، غير أن المركزية النقابية تشقها تيارات سياسية مختلفة من المعارضة الراديكالية للنظام السابق. وفي وقت لاحق، أفاد التلفزيون التونسي الحكومي أن حزب التجديد المعارض سينسحب من الحكومة الائتلافية إذا لم يتخل الوزراء من حزب الرئيس المخلوع عن عضوية الحزب. وقال بيان للحزب تلي عبر التلفزيون إن الوزراء يجب أيضاً أن يُعيدوا إلى الدولة كل الممتلكات التي حصلوا عليها من خلال الحزب الدستوري الذي كان يتزعمه بن علي. واختير زعيم حزب التجديد أحمد إبراهيم وزيراً للتعليم العالي في الحكومة التي أُعلنت الإثنين. ودافع محمد الغنوشي عن حكومته أمس قائلاً إن عدداً من الوزراء ظلوا في مناصبهم لأن هناك حاجة إليهم في فترة ما قبل الانتخابات المتوقعة خلال شهور. وقال الغنوشي لإذاعة «أوروبا 1»: «حاولنا جمع مزيج يضع في الاعتبار القوى المختلفة في البلاد لخلق الظروف حتى نتمكن من البدء في الإصلاحات». ورفض تلميحات إلى أن «ديكتاتورية» بن علي ستستمر في شكل جديد، قائلاً: «هذا ظلم تام. بدأ اليوم عصر من الحرية يظهر على شاشات التلفزيون وفي الشوارع». ودافع الغنوشي عن حكومته قائلاً إن بعض الوزراء «احتفظوا بحقائبهم لأننا بحاجة إليهم في هذه المرحلة» من بناء الديموقراطية، مشدداً على «الرهان الأمني الكبير» في هذه المرحلة الانتقالية. وشدد على أن هؤلاء الوزراء «جميعهم أيديهم نظيفة، ويتمتعون بكفاءة كبيرة. إنهم جديرون. فقد نجحوا بفضل تفانيهم في الحد من قدرة البعض على الأذية. ناوروا وراوغوا وكسبوا الوقت حفاظاً على المصلحة الوطنية». وتعهد رئيس الوزراء في تصريحه الإذاعي بأن «جميع الذين كانوا خلف هذه المجزرة سيحاكمون أمام العدالة». وعن العملية الانتخابية، أكد الغنوشي أن «كل الأحزاب سيُسمح لها بالمشاركة في الانتخابات مع تساوي الفرص للجميع». لكنه أشار إلى أن راشد الغنوشي زعيم حركة «النهضة» الإسلامية المحظورة في عهد بن علي والمقيم في المنفى في لندن لن يتمكن من العودة إلى تونس «ما لم يصدر قانون عفو» يُسقط حكم السجن مدى الحياة الصادر بحقه عام 1991. وعلّق رداً على سؤال على الإشاعات التي تفيد بأن ليلى الطرابلسي زوجة بن علي الثانية كانت الحاكم الفعلي للبلد في الفترة الأخيرة من عهد الرئيس المخلوع، فقال «هذا ما يتهيأ لنا». وتظاهر مئات من أنصار المعارضة والنقابات سلمياً في وسط العاصمة أمس قبل أن تفرّقهم الشرطة. وقال أحمد الحاجي وهو طالب: «الحكومة الجديدة خدعة. إنها إهانة للثورة التي راحت ضحيتها أرواح وسُفكت دماء». وقال المتظاهر سامي بن حسن: «مشكلة الحكومة الانتقالية هي أنها تضم عدداً من وزراء الحكومة القديمة». وأشارت وكالة «فرانس برس» إلى أن القيادي الإسلامي الصادق شورو الذي سُجن طويلاً في عهد بن علي، شارك في التظاهرة وسط العاصمة التونسية. وكان شورو (63 سنة) الرئيس السابق لحركة «النهضة» الإسلامية المحظورة أُفرج عنه في 30 تشرين الأول (أكتوبر) بعدما أمضى 20 سنة في السجن. وقال شورو ل «فرانس برس» قبل تفريق التظاهرة إن «الحكومة الجديدة لا تمثّل الشعب ويحب أن تسقط. لا للتجمع» الدستوري الديموقراطي، الحزب الحاكم في عهد بن علي. وفي الإطار ذاته، قال شاهد إن نحو خمسة آلاف شخص تظاهروا في صفاقس (270 كلم جنوبي العاصمة)، ثاني أكبر المدن التونسية، حيث تم إحراق مقر التجمع الدستوري. وقال مراسل ل «فرانس برس» إن تظاهرة «ضمت آلاف الأشخاص» في سيدي بوزيد (وسط غربي البلاد) وهي المدينة التي كانت شهدت انطلاق الاحتجاجات ضد نظام بن علي. كما شهدت مدينة القصرين أيضاً تظاهرة مماثلة ضمت قرابة 500 شخص. وفي غزة (الحياة)، وقف مئات الفلسطينيين أمس وقفة تضامنية مع «ثورة الياسمين» في تونس. وجاءت الوقفة في حديقة الجندي المجهول غرب مدينة غزة بدعوة من جبهة اليسار الفلسطينية المؤلفة من الجبهتين الشعبية والديموقراطية لتحرير فلسطين وحزب الشعب في غزة. وقال عضو المكتب السياسي للجبهة الديموقراطية طلال أبو ظريفة خلال الوقفة إن «انتصار انتفاضة الشعب التونسي كانت بفعل وحدة قواه السياسية والاجتماعية في الميدان بكل مكوناتها التي أسقطت الديكتاتورية والفساد». واعتبرت عضو اللجنة المركزية لحزب الشعب ليلى خشّان أنها «لن تكون المرة الأخيرة التي تنتفض فيها الشعوب ضد مضطهديها من أجل الدفاع عن حريتها في العدالة الاجتماعية». بدوره، استعرض القيادي في جبهة العمل التقدمية الذراع النقابية للجبهة الشعبية إلياس الجلدة الرسائل التي وجهت من خلال «ثورة الشعب التونسي»، ومنها أن «التغيرات الكمية والكيفية حتماً تؤدي إلى تغيير في معادلة الصراع الطبقي». وفي جنيف (رويترز)، قال مكتب المدعي الاتحادي في سويسرا إن جنيف بدأت تحقيقاً في ما يتعلق بأموال الرئيس التونسي السابق وأسرته وأقرب مساعديه في البلاد. وقالت فالبورجا بور الناطقة باسم مكتب المدعي الاتحادي إن المكتب تلقى شكويين «يوم 17 كانون الثاني (يناير) في ما يتعلق بتجميد أصول تونسية ربما أودعتها في سويسرا أسرة بن علي أو مساعدوه المقربون». وأضافت: «ننظر في الشكويين».