شكّلت تونس، أمس، أولى حكومات «ثورة الياسمين» بعد نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وضمت قادة بارزين في أحزاب المعارضة، ووعدت بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية حرة ونزيهة وتحت إشراف خارجي. وبدا واضحاً أن الحكومة الجديدة تريد أن تقدّم صورة مختلفة لتونس عما كانت عليه خلال فترات طويلة من السنوات ال 23 سنة الماضية من حكم بن علي، إذ وعد الوزير الأول محمد الغنوشي بالإفراج عن جميع السجناء السياسيين في البلاد وفتح المجال أمام عودة الأحزاب المحظورة، معلناً إلغاء وزارة الاتصال (الإعلام) التي كان يُنظر إليها بوصفها مثالاً على نوع الرقابة الشديدة التي كانت تونس تمارسها على قطاع الإعلام خلال السنوات الأخيرة. وفي جدة، نفت السفارة السعودية في تونس المزاعم التي تحدثت عن طلب مكتب الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي من السفارة ترتيب إجراءات سفره إلى المملكة ومنحه اللجوء السياسي خلال الأزمة الأخيرة التي عصفت بالبلاد، مؤكدة أن السفارة السعودية في تونس لم توفر أي ملجأ للرئيس التونسي السابق ولم تقم بإجراء أي اتصال أو ترتيب لنقله وأفراد عائلته إلى المملكة. وقال السفير السعودي لدى تونس عبدالله بن عبدالعزيز بن معمر أمس ل «الحياة»: «نستنكر مثل هذه المزاعم، فنحن في السفارة لم نعلم عن وصول الرئيس السابق إلى المملكة إلا في اليوم التالي من خروجه من تونس، فمغادرته من تونس كانت بترتيب من الجهات الرسمية التونسية التابعة للرئيس السابق زين العابدين بن علي»، مؤكداً في الوقت ذاته أن السفارة لم تقدم اللجوء إلى أي تونسي خلال الأزمة الحالية التي تمر بها تونس بعد الإطاحة بالرئيس السابق ولم يطلب منها احد ذلك». وانتشرت، أمس، حالات الاحتجاج ب «إحراق النفس» على غرار التونسي محمد بو عزيزي الذي فجّر إحراقه لنفسه الانتفاضة الشعبية ضد نظام الرئيس التونسي المخلوع، وسُجّلت حالات لمواطنين أحرقوا أنفسهم في القاهرة ونواكشوط والجزائر وتزامن تشكيل الحكومة التونسيةالجديدة مع بدء عودة الأمن والنظام نوعاً ما إلى شوارع العاصمة التونسية والمدن الكبرى التي كانت شهدت منذ إطاحة بن علي، يوم الجمعة الماضي، سلسلة من عمليات النهب والمواجهات المسلحة مع مناصرين للرئيس المخلوع. كما سُجّلت تظاهرة سلمية في وسط مدينة تونس نادى فيها المحتجون بإقصاء حزب التجمع الدستوري الحاكم عن المشاركة في السلطة الجديدة. لكن عدد المشاركين في هذا الاحتجاج لم يتجاوز بضع مئات، مما يدل على تراجع حركة الاحتجاجات التي عمّت البلاد خلال الأسابيع الماضية. وسُجّل أمس للمرة الأولى فتح المرافق والإدارات الحكومية التي بدأت تعود إلى مباشرة عملها الطبيعي. وأعلن الوزير الأول التونسي محمد الغنوشي بعد إعلان الحكومة الجديدة أمس انه سيتم الترخيص لكل الأحزاب السياسية التي تطلب ذلك، بما في ذلك الأحزاب المحظورة، في أقوى إشارة حتى الآن إلى إمكان رفع الحظر المفروض على حركة «النهضة» الإسلامية التي تعرض قادتها للنفي خلال حكم الرئيس بن علي. لكن عودة «النهضة» إلى ممارسة نشاطها القانوني قد يتطلب تعديل الدستور التونسي الذي يمنع الأحزاب ذات الطابع الديني. كما أن إعلان الغنوشي أمس إطلاق السجناء السياسيين بدا أنه يعني أيضاً حركة «النهضة» التي تنادي منذ سنوات بإطلاق بعض قادتها المسجونين. وكان زعيم «النهضة» الشيخ راشد الغنوشي أعلن من منفاه في لندن قبل أيام نيته العودة إلى البلاد قريباً، من دون أن يحدد موعداً لهذه العودة التي ستكون الأولى له منذ نهايات ثمانينات القرن الماضي. وكان لافتاً أيضاً أن الوزير الأول محمد الغنوشي أعلن أيضاً «الحرية التامة للإعلام» ورفع الحظر عن المنظمات غير الحكومية وبينها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. وأوضح الغنوشي في تصريح نقلته قناة «العربية» بعد الظهر أن الانتخابات ستنظم «خلال ستة اشهر على أبعد تقدير»، علماً أن الرئيس التونسي بالوكالة فؤاد المبزع أعلن عندما كلّف الغنوشي تشكيل الحكومة أنه يطلب منها تنظيم انتخابات جديدة خلال مهلة 60 يوماً. وضمت حكومة الغنوشي ممثلين لثلاثة أحزاب معارضة هي «الحزب الديموقراطي التقدمي» و «التكتل من أجل العمل والحريات» و «حركة التجديد» التي تمثّلت بوزير واحد لكل منها. إذ دخل التشكلية الجديدة مؤسس الحزب الديموقراطي التقدمي أحمد نجيب الشابي (وزارة التنمية الجهوية) والأمين العام لتكتل الحريات مصطفى بن جعفر والأمين العام ل «التجديد» أحمد إبراهيم. السفير السعودي لدى تونس ل«الحياة»: لم نرتِّب سفر ابن علي... ولم يطلب منّا ذلك وصول أول طائرة تقل رعايا سعوديين من تونس بعد الأحداث ...الصباح يشيد باهتمام خادم الحرمين بالكويتيين الموجودين في تونس