الحدود داخلنا نالت جائزة بوكر عن باكورتها وصمتت عقدين قبل أن تصدر روايتها الثانية. باعت «إله الأشياء الصغيرة» ثمانية ملايين نسخة في اثنتين وأربعين لغة، لكن أرونداتي روي أجّلت الرواية الثانية الصعبة لتحتجّ كتابة وتظاهراً ضدّ الفساد، اللامساواة، القومية الهندوسية ومصادرة الأراضي لبناء سدّ. ومع استقلال كشمير، تمرُّد الماويّين، وصيانة البيئة. كانت بين مئة شخص اعتبرتهم مجلة «تايم» الأكثر نفوذاً في العالم، لكن نقادها يرون معارضتها أسوأ أنواع المثاليّة المراهقة. مبسّطة، غير واقعية ومحتفلة بالذات. ظلّلت طفولة روي «إله الأشياء الصغيرة» واستوحت «وزارة السعادة القصوى» الصادرة في بريطانيا عن دار هاميش هاملتن، حياتها الراشدة. بطلتها أنجوم تترك أسرتها طفلة لتعيش مع الحائرين جنسياً في دلهي القديمة المتصدّعة. في عقدها الرابع، تجد نفسها وسط مجزرة تستهدف المسلمين في غوجارات، وتدفعها الصدمة الى مغادرة جماعتها لتبني منازل ضيافة فوق المقابر تستقبل الهامشيين. طبقة المنبوذين، معتنقو الإسلام، المتحولون جنسياً، المدمنون وطفلة مسلمة مخطوفة تتبنّاها أنجوم. منحت روي روايتها عشرة أعوام من عمرها مقابل أربعة لباكورتها. «كيف تروي قصة مشرذمة؟» تتساءل شخصية. «بالتحوّل البطيء الى كل شخص. لا. بالتحوّل البطيء الى كل شيء». تكتب روي عن مسؤول في جهاز المخابرات لا يزال يحب تايلو التي التقاها أثناء دراسته، واختفت فجأة، على رغم زواجه وإنجابه. فتى من المنبوذين يتبنى اسم «صدام حسين» بعد مقتل والده في حريق القطار لإعجابه برباطة جأش الرئيس العراقي لدى إعدامه. مقاتل قائد في كشمير كان زميل دراسة للمسؤول في جهاز المخابرات، امرأة بين المتمرّدين الماويين في باستار، متمرّدة أخرى تخطف طفلة مهجورة وتحلم بالتماسيح والسحليّات وسوسة فاكهة تحاضر في الأخلاق. لا تشكّ أنجوم، أشهر المتحولين جنسياً في دلهي ورمز البلاد الممزقة، المتناقضة، في أنها امرأة، لكنها تدرك أنها لن تجد السلام الداخلي إطلاقاً. تقول متحوّلة أخرى:» الشغب داخلنا. الحرب داخلنا. الهند- باكستان داخلنا. لن تستقرّ الأمور. غير ممكن». مع ذلك، لا ترى أنجوم حالتها تراجيدية، وترفض اهتمام المنظمات غير الحكومية والمراسلين الأجانب ومخرجي الأفلام بأمثالها. وُلدت ذكراً أُصيبت والدته بالذعر حين اكتشفت أنوثة واضحة وإن غير كاملة الملامح تحت ذكورته. عاش أمثالها من ابتزاز الآخرين «الطبيعيين» بتهديدهم بحضور أعراسهم إن لم يدفعوا فدية. حين تعبت من استغلال نفورهم من جنسها، أو لاجنسها، وجدت العزاء في مزار قديم لمتصوف فارسي مسلم- يهودي في المدينة القديمة. هذا التصالح بين الهويّات المختلفة، المتصارعة، هو ما تبحث عنه روي حلاً وإلهاماً، لكنها بالتأكيد رؤية تعارض القوميّة الهندوسية الصاعدة مع رئيس الوزراء نارندرا مودي. في 2002 زار حجّاج هندوس بقايا جامع بابري في غوجارات الذي كان متطرفون من طائفتهم دمّروه في 1992. شبّ حريق في قطارهم وقُتل حوالى ستين منهم. اتُهم المسلمون بإضرام الحريق وقُتل ألفان منهم على الأقل. اتّهمت روي وزير العدل بالتحريض على ارتكاب المجزرة، وكان يومها نارندرا مودي. صراع كبير في الرواية يتناول كشمير التي لا يخرج أحد من طرفيها بريئاً. «وزارة السعادة القصوى» عن الحدود، تقول روي. في كل شخصية حدود عليها أن تفهمها. ما تحبه في أنجوم أنها تنجو من مجزرة غوجارات بفضل هويّتها الجنسية، لكن هذه في الوقت نفسه كانت سبب عزلها عن المجتمع. يدفعها إحساسها بالتضامن الى الرغبة في فهم العالم الأكبر خصوصاً حين تتبنّى الطفلة المخطوفة زينب. «كان الموت في كل مكان. كان الموت كل شيء. مهنة. رغبة. حلماً. شعراً. حبّاً. الشباب نفسه. بات الموت طريقة أخرى للحياة». وحده غارسن هوبارت، نائب مدير جهاز المخابرات في كشمير، يروي قصته هناك بصيغة المتكلم. يعرف الخطايا التي ترتكب في المقاطعة، لكنه يتجاهل تواطؤه في الوقت الذي يخلص لافتتانه بتايلو التي تنتمي الى الجانب الآخر وتشبه روي. ولدت الكاتبة في 1961 لأم من الطائفة المسيحية السورية والطبقة العليا وأب هندوسي بنغالي من الطبقة الدنيا. كانت في الثانية حين انفصل والداها، وانتقلت مع والدتها وشقيقها الى كيرالا حيث أسّست الأم مدرسة للبنات ونشطت سياسياً. على رغم كونها مثالاً ومثيلة، وبسببه أيضاً، تقول روي إنها حين تجتمع بها تحس أنهما دولتان نوويتان على وشك القتال. الأدب انتقاماً للحياة سيرة جديدة عن سكوت فتزجيرالد يعالجه كاتبها ديفيد براون كمؤرّخ ثقافي، علماً أن الكاتب الأميركي اتّهِم بأنه «أرّخ» نفسه في كل رواياته باستثناء «الثري الكبير الأخير» التي لم ينهها. قال الناقد إدموند ولسن، الذي عرف فتزجيرالد في جامعة برنستن، إن روايات الكاتب كانت نسخة عن حياته وشكت الظلم الذي ألحقته به نساء سيّئات. يعترف براون في «الجنة المفقودة» الصادرة عن جامعة هارفرد بالأوهام العاطفية التي حشا فتزجيرالد رأسه بها، وتعلّق أولها بوالده الذي انتمى الى عائلة جنوية بارزة، ورآه ابنه رمز الفروسية القديمة التي قضى الشماليون عليها برأسماليتهم. تجاهل امتلاك الجنوبيين العبيد الذين أشار اليهم في أدبه بكلمات مسيئة أهونها «قاتمو البشرة». اعتبر الكاتب نفسه أرستقراطياً أصيلاً أفقده الوصوليون الأثرياء مكانته، وكان أقل زهواً بعائلة جدّته ماكيلان التي هاجرت الى الولاياتالمتحدة من إرلندا في 1842، وجمعت ثروة من بيع الخضر بالجملة. أحس أنه ولد فقير في مدرسة الأثرياء، واستهدفته الإهانات الحقيقية والمتوهّمة. فشل في دراسته في برنستن حيث أحبّ جينفرا كينغ، الثريّة الجميلة من شيكاغو، التي رفضته فانتقم باعتمادها نموذج الغاويات السيئات في أعماله لاحقاً. ترك الجامعة بلا شهادة، وانخرط في الجيش. عقد خطبته على زلدا سير لكنها ما لبثت أن فسختها لشكّها في قدرته على توفير حياة ميسورة. عاد الى بلدته سان بول حيث كتب روايته الأولى «هذا الجانب من الجنة» التي يدرس بطلها في برنستن ويقاتل في فرنسا، وترفضه فتاة لتتزوج شاباً ثرياً. كان في الثالثة والعشرين حين نشرها في 1920. نفدت الطبعة الأولى في ثلاثة أيام، وعادت زلدا اليه فتزوجا واشتهرا بالحفلات الباذخة التي راكمت ديونه. كتب «الجميلة والملعون» عن زوجين محبين للترف ينتهيان بالدمار والإدمان على الكحول. حبس فتزجيرالد نفسه في شتاء 1923- 24 ليتجنّب وزوجته مصير البطلين، وكتب إحدى عشرة قصة «سيئة» كما قال لإدموند ولسن. باعها بسبعة آلاف دولار دفعت ديونه، لكنه ما لبث أن اتجه مع زلدا وجيش من الخدم الى أوروبا حيث كتب «غاتسبي الكبير» عن شاب أميركي هجرته حبيبته لتتزوج ثرياً لا تحبه. يقاتل ببطولة في أوروبا ويعود ثرياً كبيراً ليغدق على ديزي السخيفة التي تتسبّب بوفاته حين يحميها بالادّعاء أنه هو الذي كان يقود السيارة التي دهست عشيقة زوجها. استوحى توم وولف الحادثة، وجعلها محور روايته «مشعلة الإعجاب بالذات» التي حُوّلت فيلماً ك «غاتسبي الكبير». قابل فتزجيرالد أثرياء أميركيين على الريفييرا، فرنسا، حيث لم يهتم بالثقافة بل ركّز على قضاء وقت ممتع وحماية حقائب الأسرة من المحليين ذوي الوجوه «الداكنة» و «العربية». تلبّد مزاج فتزجيرالد مع انهيار زلدا العصبي وطبابتها، وإدمانه اليائس على الكحول وسط الركود الاقتصادي الكبير. سخر من حلمها بأن تمتهن الباليه والأدب، ولقّب ابنته سكوتي «بيضة»، قائلاً إنها تنتمي الى حال بدائية من الحياة، وإنه يستطيع كسرها حين يشاء. فشل ثلاث مرات في كتابة سيناريو في هوليوود، ونجح في المحاولة الرابعة والأخيرة في «ثلاثة رفاق» لإريك ماريا ريمارك. ارتبط هناك بعلاقة مع صحافية المجتمع شيلا غراهام، لكن يبدو أنه احتقرها لأنها يهودية. بعد وفاته في 1940 اكتشفت أنه كتب «صورة عاهرة» على الجانب الخلفي لصورة لها.