وافق المجلس الوزاري لمنظمة «أوبك» بالإجماع، كما كان متوقعاً، على الاحتفاظ بمستوى الإنتاج المتفق عليه سابقاً كما هو، وعدم خفضه مرة أخرى، كما حدث في الشهور الأخيرة عند تدهور الأسعار. هذا القرار يعكس ثقة وزراء المنظمة بتحسن الأسعار. والسؤال المهم هنا هو: ما هو مستقبل الأسعار في ضوء هذا القرار؟ طبعاً، تختلف التقديرات بين دولة نفطية وأخرى، وهذا أمر متوقع وليس جديداً. لكن جدير بالملاحظة تصريح لوزير النفط السعودي علي النعيمي يتحدث فيه عن احتمال ارتفاع الأسعار إلى نحو 75 - 80 دولاراً، من دون تحديد الفترة الزمنية المرتقبة لذلك. ويذكر ان هذا هو «السعر العادل» الذي طالب به قبل فترة وجيزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي ذكر وقتئذ ان هذا السعر هو المعدل المناسب لاقتصادات بدائل الطاقة، ولاقتصادات الاستثمار في مشاريع نفطية جديدة في الدول المنتجة. وعبّر وزيرا النفط في إيران ونيجيريا عن تفاؤلهما أيضاً بارتفاع الأسعار إلى 75 - 80 دولاراً، بالإضافة إلى الأمين العام لمنظمة «أوبك» عبدالله البدري الذي أضاف ان سعر 50 دولاراً غير كاف من الآن فصاعداً لتحقيق العائد المناسب لاستثمارات نفطية جديدة. وقبيل الاجتماع الوزاري للمنظمة، شرح الوزير النعيمي في خطاب ألقاه أمام ملتقى وزراء الطاقة لمجموعة الثماني في روما في 24 أيار (مايو) تصوراته حول التطورات الجارية في أسواق النفط العالمية، وآثار الأزمة العالمية على أسواق النفط حالياً ومستقبلاً، فأكد أنه في هذه الفترة التي يكتنفها الغموض والضبابية وشح الاستثمارات بسبب الأزمة العالمية، تستمر السعودية في التركيز على الأهداف البعيدة المدى، بدلاً من التأثر بالعوامل الآنية، ومن ثم فهي تستمر في الاستثمار في قطاعات الاستكشاف والتطوير والتكرير، على رغم ان دولاً أخرى قررت تأجيل مشاريعها. وحذر الوزير من خطورة تأجيل المشاريع الجديدة، أو تأخير توسيع الطاقات الإنتاجية المتوافرة فعلاً. وقال محذراً: «إذا لم يبادر الآخرون إلى زيادة طاقاتهم الإنتاجية كما نفعل نحن، سنرى خلال سنتين أو ثلاث سنوات ارتفاعاً في الأسعار، شبيهاً بالذي شاهدناه عام 2008». وألقى النعيمي مسؤولية تدهور الأسعار على الأزمة العالمية، أكثر من أي سبب آخر: «ان وضع أسواق النفط يعكس الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية العالمية». وأضاف: «على رغم أننا لا نستطيع ان نحدد بالضبط متى ستنتهي هذه الأزمة، في هذه السنة، أو في السنة المقبلة، إلا أننا متأكدين من ان هذا الانحسار الاقتصادي سينتهي». وزاد: «عندما سيبدأ الانتعاش الاقتصادي ثانية، فإن كلا ًمن ازدياد عدد سكان العالم والرغبة الجامحة المكبوتة للنمو والازدهار في الدول النامية، سيدفعان قدماً وفي شكل ملحوظ الطلب على الطاقة في العقود المقبلة، وستكون معظم الإمدادات من الوقود الأحفوري». وأشار الوزير إلى عوامل أخرى تتداخل وتؤثر في توازن العرض والطلب، فلفت إلى «ازدياد الاهتمام بشؤون البيئة، ووجهات النظر المختلفة ما بين المنتجين والمستهلكين حول أمن إمدادات الطاقة، والشوائب في أسواق الطاقة، والعوائق أمام إيصال الإمدادات إلى المستهلكين». تختلف آراء المراقبين عن أراء الوزراء حول تطورات الأسعار المستقبلية. فالعديد من المراقبين يعتقدون ان هناك مطبات عديدة تواجهنا قبل ان ننتهي من الأزمة العالمية. ويذكرون بهذا الصدد ان ارتفاع الأسعار الأخير إلى نحو 60 - 64 دولاراً يعود في غالبيته إلى تحسن قيمة البورصات العالمية وانخفاض قيمة الدولار الذي يدفع بالمتعاملين إلى شراء السلع الأولية لرخص أسعارها نسبياً، وليس إلى التحسن في معدلات استهلاك النفط بالذات. كما ان هؤلاء المراقبين يشيرون إلى المستوى العالي من المخزون التجاري للنفط، الذي يقدر بنحو 62 - 64 يوماً من معدل الاستهلاك المستقبلي، بدلاً من 52 - 54 يوماً، وخطورة هذا على الأسعار المستقبلية. هذا ناهيك عن المخزون في البحار في ناقلات عملاقة، استُأجرت خصيصاً لهذا الغرض في الشهور الأخيرة، إذ تشير بعض التقديرات إلى تخزين نحو مئة مليون برميل في الناقلات حتى منتصف أيار (مايو). وهناك أيضاً الخوف من الآثار السلبية لمعدلات البطالة العالية في دول مثل الولاياتالمتحدة التي تراوح حول ثمانية في المئة، فهذا العامل بالذات سيترك بصماته السلبية على الأسواق في الفترة المقبلة. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة