لا يبالي الرجل المسن الذي بدا منهمكاً في تصليح ساعة يدوية، بالأحاديث التي تدور حوله عن قرب انقراض مهنته بعد انتشار الساعات التجارية في الاسواق وانتفاء الحاجة الى «الساعاتية»، فقد اعتاد ان يفتح ابواب محله الصغير المكتظ بالأدوات وبعض الساعات القديمة في وقت مبكر والمغادرة بعد الظهيرة الى منزله. يقابل قمر الأعرجي (74 سنة) زائريه بابتسامة جميلة، فهو أقدم مصلح للساعات في بغداد، ويعمل في هذا المجال منذ 57 سنة، بعدما ورث المهنة عن والده وجدّه. ويصر الأعرجي على الاستمرار على رغم قلة الرزق، ويقول ان إغراق الاسواق بالساعات التجارية وانحسار الماركات أثرا في شكل كبير في عمله، لكنه ما زال متمسكاً بمهنته حتى النهاية. وحاول «الساعاتي» العراقي تعليم اولاده سر المهنة لكنهم رفضوا واتجهوا الى الدراسة وحصلوا على شهادات جامعية عليا، «حتى ان بعضهم بات يخجل من مهنتي ويطالبني بالراحة» على حد قوله. ويشير الأعرجي الى بعض الساعات المعلقة على جدران المحل القديم الذي بدا أشبه بسرداب صغير وسط شارع المهن في بغداد قرب المدرسة المستنصرية «هذه الساعة عمرها 60 سنة، وتلك 75 سنة وكلتاهما لا تزالان تعملان». ويضيف: «شباب اليوم باتوا يفضلون الساعات التجارية التي تستخدم لمرة واحدة ولا تحتاج الى تصليح، وهي تتسم بألوانها الجذابة وأسعارها الزهيدة ولا احد يفكر اليوم في اقتناء ساعة تعيش معه مدى الحياة مثلما كنا نفعل في السابق». ويحتفظ الأعرجي في احد أدراج محله الصغير بمجموعة من نماذج الساعات القديمة التي كانت تستخدمها العائلات البغدادية القديمة وبعض الأثرياء، منها ساعات الجيب وأخرى على شكل قلائد وخواتم وغيرها من الأشكال.