اختفت أمس الطوابير الطويلة من أمام مراكز الاقتراع في جنوب السودان، بعدما ميزت أول يومين من استفتاء تقرير مصير الإقليم الذي ينتهي السبت المقبل. وتوقّعت مفوضية الاستفتاء انتهاء غالبية المراكز من عملها قبل نهاية الاستحقاق، مع إدلاء المسجلين على قوائمها بأصواتهم، فيما مددت التصويت ساعة إضافية. غير أن هذا الهدوء في عمليات التصويت، قابله هجوم أدى إلى سقوط قتلى وجرحى عند حدود الشمال والجنوب، اتهمت حكومة الإقليم قبيلة المسيرية العربية بالمسؤولية عنه، مجددة طرح نشر مراقبين دوليين على نقاط التماس «لمتابعة ما يجرى وحماية المدنيين». وتراجع الإقبال في غالبية مراكز مدينة جوبا التي تكدس أمامها مئات الآلاف يومي الأحد والاثنين الماضيين. وخلا عدد من المراكز التي زارتها «الحياة» أمس من أي مصوتين، فيما لم يتجاوز المنتظرون في معظم المراكز الأخرى عدد أصابع اليد الواحدة. وفي مركز اقتراع قرب سوق المدينة، أظهرت سجلات اطلعت عليها «الحياة» أن 178 شخصاً فقط من أصل 2500 مسجلين على قوائم المركز صوّتوا أمس حتى قرب موعد إغلاق الصناديق. لكن هذا جاء بعد تصويت 1100 شخص تقريباً في اليوم الأول ونحو 680 في اليوم الثاني، أي أن نسبة من أدلوا بأصواتهم منذ بدء الاقتراع تجاوزت 78 في المئة، وهو ما يفوق كثيراً نسبة 60 في المئة المطلوبة لاعتماد النتائج. وقال ابراهام ايون، وهو مراقب محلي يتابع الاستفتاء في أحد مراكز العاصمة: «الأمور هادئة الآن جداً. جاء الناس بكثافة خلال اليومين الماضيين، لكن قلة لم تحضر بسبب صعوبات التنقل. ولا أشك في أن التصويت سيتجاوز 90 في المئة». وتوقع رئيس مفوضية الاستفتاء في الجنوب شان ريك مادوت أن تنتهي غالبية المراكز من عملها بعد استيعابها غالبية المسجلين. وأعلن خلال مؤتمر صحافي في جوبا أمس تمديد فتح مراكز الاقتراع ساعة لتغلق في السادسة مساء، لكنه أشار إلى أن قرار تمديد التصويت أياماً إضافية «رهن بالظروف المحيطة بالعملية». واعتبر أن الوقت لا يزال مبكراً لإعلان نسبة المشاركين، مشككاً في نسبة 20 في المئة التي أعلنها أول من أمس مسؤولون في المفوضية في الخرطوم. ولفت إلى أن 46 في المئة فقط من المراكز في الجنوب سلّمت المفوضية تقاريرها، «وصوت فيها حتى الآن مليون شخص تقريباً (من أصل 3.6 مليون). ويمكنكم تخمين النسبة إذ الأصوات في المراكز التي لم تسلمنا التقارير. لكن يجب أن نكون دقيقين». وأوضح رداً على سؤال ل «الحياة» أن «المراكز التي لم تسلم البيانات خلال اليومين الماضيين في أماكن يصعب الوصول إليها بسبب وعورة الطرق ويتعذر الاتصال بها، لكننا نتوقع أن تصلنا هذه المعلومات قريباً». ورجح إعلان النتائج الأولية نهاية الشهر الجاري «إذا سارت الأمور جيداً». وأشار إلى تلقي «تعليمات من المفوضية في الخرطوم بعدم بدء الفرز قبل إغلاق الصناديق تماماً السبت المقبل». وكشف أنه أرسل فريقاً من المفوضية لتقصي الوضع في ولاية الوحدة التي شهدت سقوط قتلى وأعمال عنف في اليوم الأول من الاقتراع، لكنه شدد على أن «لا قتال الآن في الولاية، وتم احتواء المشكلة». إلى ذلك، اتهمت حكومة الجنوب قبيلة المسيرية العربية التي تنازع قبيلة دينكا - نقوك الجنوبية السيطرة على منطقة أبيي، بشن هجوم على قافلة تقل جنوبيين عائدين من شمال البلاد أدى إلى مقتل شخصين وجرح ثمانية آخرين. ويهدد الهجوم الذي وقع مساء أول من أمس عند الحدود بين ولايتي جنوب كردفان التابعة لشمال البلاد وشمال بحر الغزال الخاضعة لسيطرة حكومة الجنوب، بتعقيد التوتر بين شطري السودان، خصوصاً أن الطرفين لم يستبعدا العودة إلى الحرب بسبب النزاع على أبيي الغنية بالنفط. وكانت وزارة الداخلية في حكومة الجنوب أعلنت خلال مؤتمر صحافي أن الهجوم أدى إلى مقتل 10 أشخاص وجرح 18 آخرين. لكن وزير الداخلية غيير شوانغ أكد ل «الحياة» في وقت لاحق أن «المعلومات النهائية تؤكد مقتل اثنين وجرح ثمانية». وأضاف أنه تلقى تعهدات من حاكم ولاية جنوب كردفان أحمد هارون بتأمين العائدين في طريقهم. واتهم عشيرة أولاد كامل، وهي إحدى فروع قبيلة المسيرية، بمهاجمة القافلة «انتقاماً بعدما أبلغت بأن هؤلاء النازحين من أبيي». ودعا إلى تنفيذ اقتراح كانت الخرطوم رفضته لتعديل تفويض قوات الأممالمتحدة في السودان، «والسماح لها بنشر مراقبين دوليين على الحدود (بين شطري البلاد) لمراقبة الوضع وحماية المدنيين». وشدد على أن الوضع الأمني في الولاياتالجنوبية العشر «مستقر تماماً، ولم يشهد حوادث. وأؤكد أن الجنوب يبدو في طريقه لاستكمال الاستفتاء بأمان».